آراء وتحليلات
بين المفاوضات والرد الحتمي.. "عماد4" يقلب المعادلات!
لعلّها المرّة الأولى التي تشهد فيها جولة المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة هذا الحجم من الارتباك والضغط الذي يصيب الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي، وحتى الوسيطين المصري والقطري، حيث تبدو الأطراف الأربعة هذه المرة في حالة ارتباك شديد وفي حالة سباق مع الزمن لإنجاز اتفاق ما.
لا يتعلق الأمر كما كان مأمولاً لديهم برغبة تلك الأطراف في الحفاظ على إنجاز ما حققه الكيان "الإسرائيلي"، كما جرت العادة بالنسبة للتكتيك الذي تتبعه الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية عندما تلجأ إلى الغدر بخصومها ثم تطلق تفاوضاً للتهدئة وحفظ نتائج ذلك الغدر، بل يمكن الجزم بأن مفاوضات اليوم تهدف بالدرجة الأولى لحماية كيان الاحتلال من غضب جبهة المقاومة الذي بلغ ذروته ..
فاليوم، وبعد أكثر من 10 أشهر من المعركة يبدو المشهد منقلباً إلى أبعد حدٍّ، فالحماقة الأخيرة التي ارتكبها كيان العدو بتخطيط وتنسيق ودعم من الولايات المتحدة والتي تمثلت باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" في مقر إقامته خلال زيارته العاصمة الإيرانية طهران تزامناً مع اغتيال القائد العسكري في حزب الله "فؤاد شكر" في العاصمة اللبنانية بيروت فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي والمتمثل بمحاولة صناعة صورة انتصار، وإسدال الستار على المشهد الأخير من المعركة بصورة المنتصر، ووجد الكيان الغاصب نفسه مضطراً لتحمل تبعات تلك الحماقات التي لا تقف مدلولاتها ورمزيتها على اغتيالات القادة فقط بل تتعدى ذلك إلى الاعتداء على أربع عواصم لدول محور المقاومة، إذا أضيفت لها الاعتداءات التي سبقتها على كل من دمشق و صنعاء.
وعلى الرغم من التحشيد العسكري الأمريكي في المنطقة، والذي شمل زيادة في عدد القوات الأمريكية، من 34 ألفاً إلى 40 ألفاً بحسب "البنتاغون"، وإرسال المزيد من القطع البحرية وحاملات الطائرات للمنطقة، وإعادة الانتشار التي نفذتها القوات الأميركية في الإقليم، وكل ذلك بغرض حماية كيان الاحتلال والوجود الأمريكي في المنطقة من ردّ جبهة المقاومة على الحماقات الأمريكية "الإسرائيلية" الأخيرة، فإن واشنطن تسعى بالوسائل السياسية وغير السياسية لتجنب حصول هذا الرد المرتقب..
يمكن الإشارة إلى العديد من التكتيكات التي اتبعتها واشنطن وحلفاؤها لتحقيق هذا الهدف:
* تأكيد واشنطن التزامها المطلق بحماية الكيان المؤقت بالإضافة إلى التحشيد العسكري.
* إصدار الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية بيانًا دعا إيران إلى عدم مهاجمة "إسرائيل"، وتعهدت تلك الدول بالدفاع عنها وحمايتها.
* أطلقت واشنطن و"تل أبيب" تهديدات عسكرية ضد إيران، وأخرى اقتصادية، فيما تولت وسائل الإعلام الغربية والإقليمية عملية التهويل ضد إيران عبر التلويح باستخدام السلاح النووي ضدها، أو مهاجمة منشآتها النووية. بينما ذهبت خارجية العدو للقول، إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة لن يكتفي بالمساهمة في صد الهجوم الإيراني المرتقب على الكيان "الإسرائيلي"، بل سيشارك في مهاجمة الأهداف داخل إيران ..
* سياسياً؛ عاجلت الولايات المتحدة إلى الدعوة لإطلاق مفاوضات لوقف إطلاق النار استباقاً للرد الإيراني المرتقب في محاولة لتجنب وقوعه، وجاءت تلك الدعوة عبر البيان الثلاثي (الأميركي - المصري - القطري) الذي سبق انطلاق مفاوضات الدوحة، وبعيد زيارة وزير الخارجية الأردني لطهران، والتي شكلت محاولة امريكية فاشلة لتحقيق الغرض ذاته.
* سياسياً أيضاً؛ أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن ممثلها الخاص إلى لبنان "هوكشتاين" حاملاً رسائل التهديد والاستجداء في آنٍ معاً في محاولة بائسة لثني حزب الله عن الرد على اغتيال القائد "فؤاد شكر"، ولوقف عملياته ضد كيان العدو.
* ولأن واشنطن و "تل أبيب" تدركان مدى التأثير والفاعلية لحزب الله في أية مواجهة مقبلة، والخطر الذي تشكله المقاومة في لبنان على كيان الاحتلال، وفي ظل عجز جيشه أمام قدرات الحزب المتنامية والمتطورة والمتدرجة القوة والحجم كما أثبته الميدان منذ دخول الحزب في معركة الطوفان في يومها الثاني وحتى الآن، فإن الأميركي و"الإسرائيلي" دأبا على إطلاق تهديدات لحزب الله تكثّفت وتيرتها منذ زيارة نتنياهو لواشنطن الشهر الفائت ..
في مقابل كل ذلك، فإن جبهة المقاومة تعاطت مع الحماقات "الإسرائيلية" والتكتيكات الأمريكية التي تبعتها بحكمة بالغة سياسياً وميدانياً، وأكدت على حتمية الرد منذ اللحظة الأولى، وتركت الكيان "الإسرائيلي" ومعه واشنطن وحلفاءهم الإقليميين في حالة من الترقب والهلع وعدم اليقين حول توقيت وحجم وطبيعة ومكان الرد.
وبمعنى آخر، فإن الجبهة استثمرت في الرد قبل وقوعه، وأدارت مرحلة ما قبل الرد بحكمة بالغة وبأس شديد أدخلت واشنطن و"تل ابيب" في حالة من "الهستيريا" السياسية بفعل الترقب الذي انعكس سلباً على كيان الاحتلال سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وأيضاً على إدارة بايدن التي تسعى للوصول لوقف إطلاق نار تحتاجه كرافعة سياسية في السباق الرئاسي الذي تخوضه نائب الرئيس "كامالا هاريس" ضد منافسها الجمهوري "دونالد ترامب".
ويمكن الإشارة لبعض التكتيكات المهمة المضادة التي لجأت إليها جبهة المقاومة لإدارة مرحلة ما قبل الرد :
* تأكيد حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله حتمية الرد بتأنٍ وروية، وأنه سيكون قوياً وفاعلاً.
* نقل حزب الله عمليات الإسناد العسكرية على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة إلى مستوى جديد من الكثافة النارية والتغطية الجغرافية، وأيضًا لجهة السلاح والتكتيك العسكري المستخدم كماً ونوعاً..
* استأنفت المقاومة العراقية عملياتها ضد قواعد الاحتلال الأميركي في العراق وسورية، في عين الأسد وكونيكو والرميلان، ونتج عنها سقوط قتلى من الجنود الأميركيين باعتراف "البنتاغون"، وأصدرت تنسيقية المقاومة العراقية بياناً هددت فيه واشنطن بسقوف مفتوحة لعملياتها ضد الاحتلال الأميركي في حال مشاركة قواته بمواجهة الرد الإيراني المراقب.
* أعلن اليمن على لسان السيد "عبد الملك الحوثي" حتمية الرد ضد الكيان الصهيوني، واستمرار عمليات الدعم والإسناد لغزة.
* رفضت حركة "حماس" المشاركة في مفاوضات الدوحة لوقف إطلاق النار، وأكدت عدم الحاجة لتلك المفاوضات، وضرورة وضع آليات تنفيذ ملزمة لما وافقت عليه سابقاً وفقاً لمبادرة بايدن وقرار مجلس الأمن الدولي، والذي يشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً من غزة، وإعادة المهجرين، وإعادة الإعمار، كما قطعت الحركة الطريق على نتنياهو وحكومته بالتأكيد على ضرورة انسحاب جيش الاحتلال من محوري "فيلادلفيا ونتساريم"..
* وفي ما يخص الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقد صدر عدد من المواقف الجازمة والحاسمة عن العديد من المسؤولين الإيرانيين السياسيين والعسكريين، تؤكد على حتمية الرد تنفيذًا لتعليمات القائد الإمام السيد علي الخامنئي. وأجرت القوات المسلحة الإيرانية العديد من التدريبات والمناورات العسكرية المتنوعة والشاملة خلال الفترة الأخيرة في ما يبدو كأنه استعداد للرد الإيراني الحتمي، والتوسع المحتمل للصراع.
مفاجأة حزب الله :
في ظل كل تلك الظروف، وفي هذا التوقيت الحرج واللحظة المفصلية من الصراع، ومع توقع تطورات خطيرة خاصة في حال فشل مفاوضات وقف إطلاق النار التي أنهت يومها الثاني في الدوحة دون نتيجة تذكر، وتقرر نقلها إلى القاهرة، وفي خطوة مفاجئة ومدروسة بدقة في توقيتها وتفاصيلها ومحتواها، كشف الإعلام الحربي للمقاومة في لبنان عن فيديو بعنوان "جبالنا خزائننا" يتضمن التعريف بمنشأة "عماد 4"، والتي تؤكد على القدرات العسكرية الصاروخية والتحصينية المتطورة جدًا لحزب الله، ويمكن القول، إن الفيديو المعلن حمل رسائل متعددة الأبعاد، تتجاوز البعد العسكري لتصل إلى مستويات سياسية ونفسية، موجهة إلى الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني وحلفاؤه، خاصة أنه جاء في هذا التوقيت الدقيق.
وبمعنى آخر، فإن حزب الله يمتلك القدرات العسكرية والجهوزية الكاملة للرد على أي تهديد أو حماقة تدور في رؤوس قادة الكيان وحلفائهم الأمريكان ومن يشاركهم في الإقليم، وأنه -أي حزب الله- قد استعد عسكرياً لكل الاحتمالات، وأنه قادر في أية مواجهة مفتوحة على فرض منطقه العسكري على الأرض والميدان، وعلى قلب النتائج وتحويل التهديد إلى فرصة لخلق معادلات اشتباك وردع جديدة لصالحه وصالح محور المقاومة على حساب كيان الاحتلال وحلفائه، وإقامة توازن رعب تفرضه القوة الصاروخية المحصنة والجاهزة للاستخدام في أي وقت.
الصورة النهائية :
تقوم إستراتيجية جبهة المقاومة على أن الصراع مع الكيان المحتل هو صراع وجود، وهو ما أكد عليه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، وأن المعركة الحالية هي مرحلة في هذا الصراع، لكنها يمكن أن تقود إلى صراع مفتوح وشامل ونهائي بحال تعنت وإصرار نتنياهو وحلفائه في واشنطن على التفجير، وعدم الركون والانصياع لشروط المقاومة الفلسطينية، وخاصة ما يخص منها وقف العدوان على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني.
ولأن المحور الصهيو-أمريكي بات يدرك أن جبهة المقاومة دفنت بالمطلق مخططاته لمقايضة وقف إطلاق النار بالتراجع عن تنفيذ الرد .. فإنه بات اليوم أمام مأزق مزدوج وعميق، فلا هو قادر على إنجاز اتفاق وقف إطلاق نار، وفقاً لشروطه، ولا هو قادر على تجنب الرد الحتمي المرتقب لجبهة المقاومة على حماقاته وجرائمه، فكيف به وقد صُدم بمنشأة "عماد 4" التي تمثل جزءًا من كثير لا يعلم عنه شيئاً، وتتربص به من مسافة قريبة لا يمكنه وحلفاؤه مواجهتها ومعالجتها.. اليوم يمكن القول، إننا دخلنا مرحلة "الهستيريا الإسرائيلية" التي ستزيد من ورطة الكيان المؤقت وقادته الحمقى ..
حزب اللهالولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيونيحركة المقاومة الإسلامية ـ حماسعماد مغنيةايرانجبهة المقاومة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
11/03/2025
ملامح الخطط الأمريكية الشيطانية للبنان
11/03/2025
غزة بين الجحيم والتهديد والحيل
10/03/2025
الساحل السوري: خطاب التكفير يقود الى إبادة
التغطية الإخبارية
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تُطلق قنبلة مضيئة في أجواء مخيم جنين
وفدا حماس والجهاد أدانا ما يقوم به الاحتلال من جرائم في القدس والضفة المحتلة وعمليات التدمير بحق المخيمات في جنين ونور شمس
الوفدان شددا على التزام المقاومة باستمرار التطبيق الأمين لما وقعت عليه في اتفاق وقف إطلاق النار وجهوزيتها التامة لاستكمال هذا التطبيق
الوفدان أكدا ضرورة الالتزام الكامل ببنود وقف إطلاق النار ومراحله المختلفة وخاصة الانسحاب من محور فيلادلفيا وفتح المعابر وتطبيق البروتوكول الإنساني
الوفدان بحثا مجريات تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وخروقات الاحتلال المتكررة واللقاءات التي تمت خلال اليومين الماضيين من أجل استئناف المفاوضات
مقالات مرتبطة

تشييع الشهيد حسين أحمد مرمر في روضة الحوراء زينب (ع) في الغبيري

بالصور| حزب الله وأهالي حومين التحتا شيّعوا الشهيد على طريق القدس حسن عزّ الدين

جشّي: هل استطاعت الجهود السياسية والدبلوماسية أن تمنع اعتداءات العدوّ اليومية؟

عن كواليس حوار الأمين.. صباغ لـ"العهد": هكذا بُلّغت والتقينا

حزب الله وجمهور المقاومة شيّعوا الشهيد القائد عباس سلامة في كونين الجنوبية

تقرير أميركي يدعو إلى إيقاف المساعدات لكيان العدو

عراقتشي: لن ندخل بمفاوضات مباشرة تحت الضغوط والتهديدات

لماذا أُسقط دور «اليونيفل» في الجنوب؟

حملة مقاطعة أميركا تجاريًّا من كندا إلى أوروبا.. وأميركا تفرض شرطًا على الزوار الكنديين

بعد تنصيب ترامب.. 5 "مليارديرات" أميركيين خسروا 209 مليارات دولار

العدو يجنّد عسكرييه عبر الإنترنت

الأمم المتحدة: "إسرائيل" ارتكبت أعمال إبادة في غزة

"يديعوت": نهاية خطة "الترانسفير" في غزة

تحالف مرتقب بين العدو واليونان وقبرص

حماس: تقرير الأمم المتحدة يثبت فظاعة جرائم الاحتلال ويستدعي تحركًا دوليًا جادًا

حماس: هكذا انتهك الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

قناة "اسرائيلية": التسريبات عرقلت صفقات التبادل

مجازر وهدم.. الاحتلال يغيّر ملامح مخيمي نور شمس وطولكرم

أسرى صهاينة مفرج عنهم يُطالبون نتنياهو بتنفيذ الاتفاق بالكامل دون مماطلة

كلمات عند ضريح العماد، والملتقى تشييع السيّد..

عندما يقرر حزب الله!

بلسان من أحبّ.. بعضٌ من فيض السيد محسن

كيف تُفهم رسالة "عماد 4" عسكريًا؟

"عماد4" يثير نقمة الأدوات.. والآتي أعظم!

انطلاق مناورات "حزام الأمن البحري" بين روسيا وإيران والصين غدًا شمال المحيط الهندي

لبنان لن يكون "إسرائيليًا"...

العراق والثورة الإسلامية في إيران.. من الصدام الى الانسجام

بزشكيان: الدول الإسلامية بإمكانها إعادة بناء غزّة

أماني جال في النبطية مطلعًا على عمل اللجان الشعبية الإيرانية بإعادة الترميم

هل تتحد جبهة المقاومة مع المحور الأوراسي في حرب وجودية واحدة؟

عراقتشي: بدماء الشهيد نصر الله سيصبح حزب الله أقوى وأكثر إثمارًا

أمين عام المؤتمر العام للأحزاب العربية لـ"العهد": المقاومة أقوى من أي وقت مضى

عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد الفرح لـ"العهد": لا عروبة من دون غزة
