إنا على العهد

قضايا وكتب

"الشهداء يعودون هذا الأسبوع" لـ"الطاهر وطار": محاكمة صريحة للواقع الجديد
19/03/2025

"الشهداء يعودون هذا الأسبوع" لـ"الطاهر وطار": محاكمة صريحة للواقع الجديد

 لا تحكي رواية" الشهداء يعودون هذا الأسبوع" للطاهر وطار الصادرة عن دار "موفم للنشر" - الجزائر عن بطولات الجزائريين وشجاعتهم وتضحياتهم في سبيل تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي إبان ثورة التحرير الوطني ( 1954م – 1962م )، وإنما تقدم سردية رائعة عن حال الثورة الجزائرية بعد التحرير من خلال قصة العابد بن مسعود الذي يعيش في إحدى القرى الجزائرية ويقضي أيامه القاسية الدامعة في القرية، وهو يتذكر ابنه الذي استشهد في الجزائر إثر معركة مع الاحتلال، وفجأة تصله من ابنه الشهيد مصطفى الذي استشهد خلال حرب التحرير رسالة غريبة، يتسلم العابد الرسالة من مكتب البريد التابع للقرية، بعد أن يخبره موظف البريد وهو يسلمه الرسالة أنها من ابنه الشهيد، وقد أرسلها له من مكان بعيد، وأنه سيعود هذا الأسبوع ومعه كل الشهداء من أبناء القرية. يطوي العابد الرسالة ويضعها في كيسٍ معلّق في عنقه، ويسير باتّجاه القرية  يستوقفه شيخٌ يحدّق فيه مليّاً، ثمّ يشير بطرفِ يده قائلاً: "تعال، تعال.. ألم تفكّر قط، بأن ابنك الشهيد قد يعود يوماً ويدقّ الباب، ثمّ يفتحه ويتناولك بين أحضانه؟!..”

يخبر العابد بن مسعود كل من يقابله أن الشهداء سيعودون هذا الأسبوع ويرصد ردود أفعال سكان قريته على هذا الخبر المفاجئ، فيتفاجأ من ردود أفعالهم، لاسيما الذين تولوا المناصب في الدولة الوليدة، فهذا شيخ البلدية يقول لنفسه: "إذا ما عاد مصطفى ابنك، فسأنتقم لأبي، سآكل لحمه بأسناني، في حين راح الشيخ العابد يؤكد لنفسه، لن أحدثه عن مصطفى فهو الذى اغتال أباه الخائن " ثم يجيب العابد قائلًا: "الأمر بالنسبة لي بسيط، إنهم مسجلون فى سجل الوفيات، وعليهم أن يثبتوا حيواتهم من جديد. لن يتسنى لهم ذلك حتى تنتهى مدة انتخابي على الأقل". ومسؤول آخر يقول لنفسه: “لست أدري كيف بلغه أنني وشيت به إلى العدوّ، وأنني نصبت له كميناً في منزلي.. لقد أرسل لي رسالة يقول فيها: ستُغتال عاجلاً أو آجلاً يا عديم الضمير.. يا خائن وطنه.." وهذا أسير ترعبه فكرة عودة الشهداء لأنه تخلى في المعركة عن المدفع الموكل إليه مهمة التغطية النارية للمقاومين وركض نحو الأعداء مستسلماً رافعاً يديه في الهواء تاركاً لرفاقه الموت المحتم، وآخر يخاف على منصبه وكرسيه وثروته، وجميعها من مكاسب الثورة والثوار والشهداء....

تفضح "الشهداء يعودون هذا الأسبوع " كل  هؤلاء الانتهازيين الذين حرفوا الحرب عن هدفها الأساسي، وحولوها إلى مكاسب تخدم طموحاتهم الشخصية وأوهموا الناس أنهم يعملون لمصلحة الوطن وأبنائه، فيما هم في الحقيقة لا يسعون إلا إلى تحقيق مكتسبات شخصية بعيدة عن أهداف الثورة والتحرر الوطني. لقد قضت رسالة عودة الشهداء مضاجع الخونة، ممن تاجروا بوطنهم وقضيّته وأرواح شهدائه، وباتوا يخشون أن تكشف هذه الرسالة حقيقتهم، فباتوا يعيشون في قلقٍ وخوف، فاجتمعوا وقرروا وضع حد للعابد الذي يشوش عقول الناس بهذا الخبر الكاذب، فيقررون  إلقاء القبض على العابد لمعرفة حقيقة الرسالة، وعندما خرج قائد وحدة الدرك لإحضار العابد بن مسعود وجد الناس تصرخ باسمه؛ فقد ألقى العابد بنفسه أمام القطار وأصبح جثة هامدة، وبذلك دفن معه لغز الرسالة إلى الأبد.

رواية" الشهداء يعودون هذا الأسبوع " غنية برمزيتها الواقعية مفعمة بالدلالات الترميزية، رواية تعجن التاريخي بالمتخيل، لتقول لنا كيف يمكن للثورة أن تأكل أبناءها. رواية حية تشعل قناديل ذاكرة الثورة الجزائرية وتتركها درسًا نموذجيًا للأجيال الآتية الباحثة عن ثورة حقيقية لا يأكلها الانتهازيون وتجار الدماء. إنها محاكمة صريحة للواقع الجديد الذي نجح في التحرر من المحتل الخارجي ليقع في براثن المحتل الداخلي الذي يستنطقه الكاتب الطاهر وطار كي يساعدنا على التنبؤ بالتحولات الآتية بعد طرد المحتل الأجنبي، كي لا تتزعزع حركات التحرر بعد نجاحها وتقوض من الداخل بعد كل طوفانات الدماء.

الشهداء

إقرأ المزيد في: قضايا وكتب