إنا على العهد

مقالات مختارة

في عصر الترامبية... المطارات فرع أمن!
25/03/2025

في عصر الترامبية... المطارات فرع أمن!

 علي عواد- صحيفة "الأخبار"
 
 أهلاً بكم في العصر الذهبي الأميركي، كما سمّاه الرئيس دونالد ترامب، حيث لم يعد يكفي أن يحمل المسافر جواز سفر سليماً وتأشيرة قانونية، لكن صار عليه إثبات ولائه السياسي، و«أخلاقه الرقمية»، ونقاء محتوى هاتفه من أي أفكار قد تُزعج الحاكم بأمره.

الولايات المتحدة، التي دائماً ما تباهت بأنها معقل الحرية والديموقراطية، صارت تدير مطاراتها كأنها أفرع أمن دولة، حيث يمسك ضابط الجمارك بهواتفكم كما يمسك محقّق في زنزانة مظلمة ملف الاتهام. الفرق الوحيد أن «الجريمة» هنا قد تكون صورة التُقطت قبل سنوات، أو رسالة نصية تعبّرون فيها عن رأي سياسي.

هذا هو الواقع الجديد: إذا كنتم مسافرين إلى الولايات المتحدة، ربما عليكم إعادة التفكير في محتوى هاتفكم كما يُعيد بعضهم ترتيب حقائبه. هل لديكم صورة لصديق يرفع شعاراً سياسياً؟ احذفوها فوراً (ومن الـ Deleted)، فقد تُعدّ دليل إدانة! هل تحتفظون بمقال قرأتموه عن مقاومة الاحتلال؟

قد يُنظر إليه بمنزلة بيان نوايا مشبوه! ولو كنتم علماء فرنسيين في الفيزياء، فقد تُصنَّف رسائلكم حول خفض الميزانيات العلمية ضمن قائمة «الإرهابيين المحتملين». في ظل هذا الهوس الأمني، لم تعد الجرائم تُرتكب، لا، هي تُفترض مسبقاً بناءً على نقرات أصابعكم على شاشة الهاتف.

لكن لا تقلقوا، فهناك قوانين... حسناً، تتغير «الحقوق» الرقمية وفقاً لوضعكم القانوني والمكان الذي تهبطون فيه. في نيويورك، تحتاج الحكومة إلى إذن قضائي قبل تفتيش هواتفكم، أما في تكساس (معقل أنصار ترامب)، فقد تُعدّون مجرمين رقميين من دون علمكم! كأن الحدود أصبحت يانصيباً قانونياً يمنحكم حقوقاً... أو يسلبها منكم بالكامل.

الذريعة لهذه الفوضى؟ «استثناء التفتيش الحدودي»، إذ تدّعي الحكومة الترامبية أن الحدود ليست كأي مكان آخر، وبالتالي، فإن أي تفتيش هناك لا يُعد انتهاكاً للحقوق، فقط لأنكم تقفون عند «الحدود».

إنه أشبه بفيلم «الحدود» لدريد لحام، لكن في عصر الذكاء الاصطناعي والترامبية (كيف اجتمعت تلك الأشياء؟). المهم، بموجب هذا المنطق، إذا كانت لديكم أفكار معينة قبل عشر سنوات، أو بعثتم رسالة لصديق تنتقد سياسات واشنطن، فقد يصبح هاتفكم سبباً كافياً لمنعكم من دخول الولايات المتحدة.

وبما أن القوانين لا تضمن حقوقكم فعلياً، يُنصح المسافرون بحذف بياناتهم قبل السفر والتأكد من خلو أجهزتهم من أي ملفات «غير مرغوبة».

بمعنى آخر، أصبح الحل الوحيد لتجنب الوقوع في شراك الجمارك هو «الرقابة الذاتية»، إذ لم يعد التفتيش مقتصراً على الأسلحة والمخدرات، بل امتد ليشمل «الأفكار» أيضاً.

من المثير للسخرية أن البلد الذي يُحاضر العالم عن «حرية التعبير» هو نفسه الذي يطرد الناس بناءً على محتويات هواتفهم. بينما يزعم الساسة الأميركيون دعمهم لـ«حرية الإنترنت»، يصادر ضباط الجمارك الهواتف وينسخون البيانات وينقبون عن أي شيء قد يُغضب السلطات.

لكن لا تقلقوا، فكما يقول الخبراء، يمكنكم دائماً تقديم شكوى قانونية... لتتوهوا في دهاليز البيروقراطية! بالفعل، أيقونة الديموقراطية تحولت اليوم إلى مجرد حكم بوليسي، إذ قد تحملون في جيوبكم مذكرة إدانة من دون أن تدركوا ذلك.

الولايات المتحدة الأميركيةدونالد ترامب

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة