مقالات مختارة
cnn تُعيد اكتشاف الجولاني... بالذبح جيناكم
صحيفة "الأخبار"
ذاكرة القنوات الإخبارية، خصوصاً تلك التي تزعم الحياد والموضوعية، تبدو أقصر من أن تحتفظ بأي موقف أو رؤية ثابتة، كأنها تدور في دائرة مفرغة من العشوائية وانعدام الوزن. ها هي «سي إن إن»، التي لم تكد تنتهي من بث مقابلتها التي حاولت تقديم أحمد الشرع في صورة زيلينسكي الحالم بالديمقراطية عبر شاشاتها الرقمية، تعود لتجلده بسياط تحقيقاتها الصادمة من خلال صور الأقمار الاصطناعية عن المجازر التي شهدتها قرى الساحل السوري. كأن المذابح لم تكن متوقعة أو أن تاريخ الرجل لم يكن معروفاً للجميع.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كانت «سي إن إن» تقدم الشرع بوجهه الجديد، رجل الدولة الذي خلع قناع أبو محمد الجولاني ليتبنى خطاباً دولياً أكثر تهذيباً. أما الآن، فقد أصبح نظامه الجديد فجأةً مصدر قلق بالغ للغرب، بعد المجازر الوحشية التي استهدفت العلويين في قرى الساحل. فهل تغيّرت طبيعة الرجل؟ أم أنّ «التغطية الإعلامية» فقط هي التي تحوّرت وفق المستجدات الجيوسياسية؟
ليست «سي إن إن» وحدها التي أصيبت بهذا الفصام السياسي، فالاتحاد الأوروبي الذي كان بالأمس القريب يدعو لرفع العقوبات عن حكومة الشرع بدعوى «تشجيع الانتقال السلمي»، يبدو اليوم في موقف المربك الذي يطالب بمحاسبة مرتكبي المجازر. بالطبع، لم تكن الأزمة في المبادئ أو في اكتشافٍ مفاجئٍ لطبيعة النظام الحاكم، لكن الأحداث الأخيرة أحرجت الحكومات الغربية التي تحاول تبرير علاقاتها مع النظام الجديد.
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك التي كانت تتحدث عن «عملية سياسية شاملة»، وجدت نفسها مضطرة للتنديد بالعنف والمطالبة بمحاسبة الجناة. والاتحاد الأوروبي، الذي يصرّ على «استمرار تخفيف العقوبات» من أجل «إعادة إعمار سوريا»، صار يتحدث عن الحاجة إلى التأكد من أنّ الحكومة الجديدة «ملتزمة بحماية الأقليات». لكن مهلاً، متى كانت حماية الأقليات على أجندة من يتفاوضون مع قاطعي الرؤوس؟
قبل ثلاثة أشهر فقط، كان أحمد الشرع يطلّ عبر وسائل الإعلام الغربية باعتباره الزعيم الذي سيقود سوريا إلى حقبة جديدة من الحرية والديمقراطية. في كانون الأول 2024، أجرت شبكة «سي إن إن» مقابلة إعلامية ناعمة مع الرجل، تحدث خلالها عن حقوق الإنسان والحريات الفردية. ولو أُتيح له المجال، لتحدث بإسهاب عن شعار Free-The-Nipples وضرورته في سياق الحرية الشخصية، ولربطه بقضية التغير المناخي باعتبارها ملفاً عالمياً جديراً بالاهتمام. لكن كل ذلك جاء متناسياً تاريخه الطويل كزعيم لحركة كانت مدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية لسنوات.
أما الآن، وبعدما امتلأت السوشال ميديا بمشاهد مقاتليه وهم يهتفون بفرح فوق جثث العلويين في الساحل السوري، أصبحت «سي إن إن» فجأة في مهمة «تحقيق استقصائي»، كأنها لم تكن تعلم أن الشرع كان زعيم جبهة «النصرة» سابقاً، وكأن جماعته لم تكن متورطة في ممارسات مماثلة على مدى سنوات من الاقتتال.
يتجاهل الإعلام الغربي حقيقة أن ما يحدث هو نتيجة طبيعية للرهان على التكفيريين في سوريا. أحمد الشرع لم يتغير؛ هو غيّر قناعه موقتاً ليناسب متطلبات المرحلة. والغرب، مجدداً، أسهم في صنع كارثة جديدة، ويُبدي الآن استغرابه من نتائج خياراته. وعلى الهامش، يبدو الغرب في كثير من الأحيان كمن أصابه الملل في حياته، فيبحث عن مسلسل جديد يتابعه، أو قصة مثيرة تكسر رتابة يومياته. وعلى الرغم من كل التكنولوجيا والتطور الذي يتباهى به، فإنه يظل أسيراً لنمطية فكرية تجعله يتصرف بطرق متوقعة للغاية. في كل مرة، يراهن على الأدوات القديمة نفسها، وينجرف خلف أوهام الحلول السريعة التي لا تصمد أمام اختبار الواقع. وبينما يحاول أن يبدو كأنّه اللاعب الرئيسي على مسرح السياسة الدولية، يغفل عن حقيقة أنه في كثير من الأحيان مجرد جزء من مشهد أكبر يتحكم به عوامل أعمق وأكثر تعقيداً.
المهم، ما يبدو واضحاً الآن أنّ الوهم الذي سُوّق خلال الفترة الماضية، قد تهاوى تماماً. لم يعد ممكناً تقديم أحمد الشرع شخصية إصلاحية بينما ترتكب ميليشياته أفظع الجرائم بحق قرى الساحل. حتى الإعلام الغربي نفسه صار عاجزاً عن تبرير هذه الانتهاكات تحت عناوين مضللة مثل «أحداث فردية»، إذ صار هناك آلاف «الحالات الفردية».
ويبقى هذا النموذج من التلاعب الإعلامي شاهداً على آلية استغلال الرأي العام الغربي. فالحقائق تُشوَّه وفق الحاجة السياسية، والصور يُعاد صياغتها بما يتناسب مع المصالح المتغيرة. اليوم، تُقدَّم شخصية ما كبطل أو حليف استراتيجي، وفي الغد، تُدمَّر إعلامياً حين تتحول إلى عبء على الأجندات الدولية.
إقرأ المزيد في: مقالات مختارة
18/03/2025
cnn تُعيد اكتشاف الجولاني... بالذبح جيناكم
18/03/2025
وبعدين؟!
15/03/2025
زرفة سباهية.. جسر العبور إلى الحقيقة
التغطية الإخبارية
دعوة لمسيرات غاضبة في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان تنديدًا بمجازر الاحتلال في غزة
المتحدث باسم جيش العدو: صفارات الإنذار تدوي في عدة مناطق بسبب صاروخ أطلق من اليمن
صفارات الإنذار تدوي في بئر السبع ونفاطيم بالنقب
لبنان| الشيخ العيلاني يستنكر المجازر الصهيونية بحق الأهالي في قطاع غزة
فلسطين المحتلة| غارات للاحتلال على مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة
مقالات مرتبطة

مستشرق صهيوني بارز يتوقع انهيار سورية الحتمي: دولة جديدة لن تقام هناك

مغامرة الجولاني في لبنان: تخبيص سياسي وعمالة مكشوفة

مجزرة العلويين: ليلة البلور ... والدرّ المنثور

عناصر الأمن السوري يرتكبون المزيد من المجازر في الساحل.. والمرصد السوري يُوثّق 110 ضحايا جدد
