آراء وتحليلات
مناورة حماس الأخيرة: فك الشيفرة السياسية لإسقاط نتنياهو وفضح الاستعمار الجديد
محمد الأيوبي
في لحظة سياسية مشحونة، تتقاطع فيها القوة مع الخطاب، تقدّمت حركة حماس بمبادرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن تعقيدات السياق السياسي والعسكري: عرض لوقف شامل لإطلاق النار، تبادُل كامل للأسرى، وانسحاب "إسرائيلي" من غزة. ليس هذا تغيّراً في مواقف حماس فحسب، بل تحوّل في قواعد اللعبة. لقد قررت المقاومة أن تمسك بزمام المبادرة، لا من موقع العجز، بل من موقع الفعل السياسي والإستراتيجي، في لحظة تآكل الخطاب "الإسرائيلي" وارتباك حلفائه.
مبادرة كتلك لا تأتي لتقدّم "تنازلات"، بل لتكشف زيف السردية الغربية-الصهيونية: طوال الأشهر الماضية، بُني الخطاب الدولي على معادلة أن المقاومة ترفض التفاوض، وأن "إسرائيل" تسعى لتحرير رهائنها. لكن الآن، حين تعلن المقاومة أنها مستعدة لصفقة شاملة، تُفتح الثغرة الكبرى: من الذي يرفض الحل؟ من الذي يُبقي المدنيين أسرى تحت الأرض، وتحت القصف؟ ومن الذي يربط الإفراج عنهم باستمرار الحرب؟
نتنياهو في الزاوية
إن المناورة التي قامت بها حماس لا يمكن فصلها عن واقع مأزوم داخل الكيان الصهيوني. نتنياهو بنى استمراريته على إدارة حرب لا نهاية لها، لا على إنهائها. يرفض الصفقة الشاملة لأنه يعرف أنها تعني سقوط مشروعه السياسي. الحرب، بالنسبة له، ليست وسيلة لتحقيق أهداف، بل هي غاية بذاتها: استمرار الحصار، سحق غزة، تحييد المقاومة، وتحقيق "نصر" وهمي يُنقذه من المحاسبة القضائية والانهيار السياسي.
لكن حين تُسحب الذريعة—"استعادة الرهائن"—من تحت أقدامه، يُفضَح المشروع بأكمله. لم يكن الهدف استعادة أسرى، بل مواصلة التدمير. هنا تفقد الحرب مبرراتها حتى في أعين الجمهور الصهيوني، خصوصًا مع تصاعد احتجاجات عائلات الأسرى الذين يطالبون بالصفقة، ويحمّلون حكومته مسؤولية التعنت.
انفجار السردية الغربية
إعلان حماس يضع الحلف الأطلسي كله، لا فقط "إسرائيل"، في موقع الدفاع. إذا استمرّت واشنطن ولندن وباريس في دعم الحرب، فذلك سيكون بعد نزع الغطاء "الإنساني" عنها. إذ إن الجهة المستعدة لوقف القتال، وفقاً لمبادرة موثقة، هي الطرف الفلسطيني، بينما الطرف الذي يرفض هو الاحتلال.
هنا تنكشف وظيفة الإعلام الغربي التي طالما عملت على شيطنة المقاومة وربطها بالرفض المطلق لأي حل. الخطاب الإعلامي الذي صوّر الحرب كـ "رد فعل" على هجوم 7 أكتوبر لم يعُد صالحًا، بعدما أصبحت المقاومة تطالب بوقف القتال والإفراج عن الرهائن. بهذا، يُوضع العالم أمام اختبار أخلاقي مباشر: إما دعم وقف الحرب، أو دعم استمرار المجازر من دون ذرائع.
الأقصى كرمز وظيفي
في الوقت ذاته، تتكشّف النوايا الحقيقية في الساحة الدينية والسياسية في القدس. اقتحام المسجد الأقصى من قبل مسؤولين صهاينة، بحماية عسكرية، يتجاوز كونه استفزازًا دينيًا. إنه امتداد عضوي للمشروع الاستيطاني الذي يرى في الحرب فرصة لإعادة تشكيل الواقع في الضفة والقدس، لا فقط في غزة. معركة غزة لا تنفصل عن محاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى، تمامًا كما لا تنفصل عن تهجير سكان رفح.
نزع السلاح: وهم الاستسلام المقنّع
المطلب "الإسرائيلي " بنزع سلاح المقاومة كشرط لأي تسوية ليس مطلبًا "أمنيًا"، بل هو لبّ المشروع الاستعماري ذاته. لا تسوية حقيقية يمكن أن تُبنى على نزع أدوات الدفاع عن النفس في ظل استمرار الاحتلال. لا أحد يطلب من أي شعب في العالم التخلي عن سلاحه بينما أرضه محتلة، فكيف يُطلب ذلك من الفلسطينيين؟
الطرح المقاوم هنا واضح: السلاح ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لبقاء القضية حيّة. المقاومة مستعدة لوقف الحرب، لكنها غير مستعدة لتسليم عنقها للمقصلة. وهذا ما يربك الإسرائيليين: المبادرة تكشف أن المقاومة ليست غريزية أو فوضوية، بل عقلانية، منظمة، وتُدير الصراع بأدوات السياسة بقدر ما تديره بأدوات النار.
واشنطن: القرار بيدها، لكنها تماطل
في كل محطة حرجة، يتكرر السؤال: هل تستطيع الإدارة الأميركية وقف الحرب؟ الجواب: نعم. هل تريد؟ هنا التردّد. إدارة ترامب لا تزال تحاول التوفيق بين دعم الاحتلال ومظهر الحياد، بين الضغط الداخلي الأميركي المتصاعد ضد الحرب، والتحالف الإستراتيجي العميق مع تل أبيب. لكن في ضوء مبادرة حماس، لم يعد بإمكان واشنطن التذرع بـ"تعنت الطرفين". هي الآن أمام معادلة واضحة: استمرار الحرب يعني دعمًا مكشوفًا لجرائم الحرب، لا أقل.
حرب الوعي
ما فعلته المقاومة في هذه اللحظة، أنها استهدفت الوعي الجمعي العالمي، لا فقط الوعي "الإسرائيلي". الحرب لم تعد فقط على الأرض، بل على الرواية. وأخطر ما في هذه المبادرة أنها تُحرِج العقل الغربي، وتُحطم رموزه الأخلاقية الزائفة. إن تقبل المجتمع الدولي لفكرة أن الاحتلال وحده يحق له "الدفاع عن النفس"، بينما يُمنع الشعب الواقع تحت الاحتلال من حمل السلاح، هو خيانة لكل تاريخ مقاومات الشعوب في فيتنام، والجزائر، وجنوب أفريقيا.
المبادرة التي طرحتها المقاومة ليست فقط محاولة للخروج من المأزق، بل تكتيك متقدّم لتفكيك سردية الاستعمار وتعرية من يدعمه. هي إعلان بأننا أمام مقاومة تعرف متى تقاتل، ومتى تفاوض، ومتى تحوّل السياسة إلى سلاح مكمّل للبندقية.
في الختام؛ فإن إصرار الاحتلال على رفض المبادرة، ومواصلة القتل، يوضح بجلاء أن هدف الحرب ليس تحرير رهائن، بل تدمير شعب. لكن ما تُظهره هذه اللحظة هو أن المقاومة، رغم الدمار، لا تزال تملك القدرة على المبادرة، على فرض الإيقاع، وعلى إحراج الخصم في ميدانه السياسي والإعلامي.
لم تكن المبادرة استسلامًا، بل حركة على رقعة الشطرنج تُجبر الخصم على كشف نواياه. وكما في كل معارك التحرر عبر التاريخ، لا ينتصر الأقوى سلاحًا، بل من يعرف متى يضع خصمه أمام الحقيقة العارية: أن الاحتلال، مهما تزيّن بالذرائع، لا يمكنه أن يتصالح مع فكرة السلام… لأنه لا يعرفها.
فلسطين المحتلةحركة المقاومة الإسلامية ـ حماس
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/04/2025
"نزع سلاح المقاومة"
19/04/2025
أسئلة حقيقية ومغالطات
التغطية الإخبارية
سرايا القدس: عندما قدمت سرايا القدس شهداءً من الساحة السورية فقد قدمتهم على حدود فلسطين المحتلة
سرايا القدس: بندقيتنا لم تتوجه منذ انطلاقتها إلا لصدور العدو ولم تنحرف يومًا عن الهدف الأساسي والذي هو التراب الفلسطيني الكامل
سرايا القدس: نأمل من إخواننا في الحكومة السورية الإفراج عن إخواننا لديهم
سرايا القدس: الاعتقال تم بطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة لطالما كانت أرضهم حاضنة للمخلصين والأحرار
سرايا القدس: السلطات السورية لم توضح أسباب الاعتقال
مقالات مرتبطة

الإبادة في غزة مستمرة.. عشرات الشهداء والمصابين في غارات "إسرائيلية" عنيفة

مستوطنون يُنفّذون اعتداءات في رام الله وسلفيت ويُحطّمون ممتلكات المواطنين

آثار نفسية وجسدية يعانيها الأسرى الفلسطينيون: تعذيب من لحظة الاعتقال وحتى الإفراج

الاحتلال يصعّد عدوانه على الضفة.. شهداء ومعتقلون وهدم للمنازل

إسحاق بريك: الجيش "الإسرائيلي" تكبّد هزيمة مؤلمة ويحتاج لترميم

القسام تكشف تفاصيل كمين "كسر السيف" شرق بيت حانون

أبو عبيدة: انتشلنا شهيدًا كان مكلفًا بتأمين الأسير عيدان ألكسندر

قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال: نقترب من رفض الأوامر العسكرية

خبير "إسرائيلي": ليس هناك حرب في غزة بل هجوم عشوائي
