آراء وتحليلات
قرار الرسوم الجمركية يهدّد عرش أميركا المالي
وضعت رسوم ترامب الجمركية العالم على حافة الزلزال الاقتصادي، معالم حرب نووية اقتصادية بدأت بالظهور على نحو غير مسبوق، كل طرف فيها يسابق الوقت في محاولة لمنع التصادم الاقتصادي المتوقّع، وخشيةً من عواقب لا تحمد عقباها.
زفّ الرئيس الأميركي قرار الرسوم الجمركية للعالم ظنًّا منه أنه وضع الاقتصاد الأميركي بذلك على سكة الخلاص والنهوض، إلا أنّ المؤشرات التي باتت تتراكم أمام أعين العالم والمحلّلين الاقتصاديين، لا يبدو أنها تحت انفراجاتٍ في طياتها.
أولى المؤشرات وأسرعها تحوّلًا كانت على الصعيد المالي، حيث دوّت قنبلة الرسوم الجمركية في مسرح البورصات والأسواق المالية العالمية ليترتّب عنها تداعيات كارثية، كان السوق المالي الأميركي، بأهم شركاته، أبرز المتضررين منها.
الخبير والباحث الاقتصادي والمالي الدكتور حسن مقلّد أوضح في هذا السياق أن الاجراءات التي اتخذها الرئيس الأميركي كانت في أساسها عبارة عن رد فعل على واقع، شخّصه الرئيس المنتخب في برنامجه الانتخابي، على أنه واقع مالي واقتصادي صعب جدًا، حيث وتيرة تنامي العجز ونسبة الدين من الناتج المحلي، هي أعلى من أي معيار ممكن، يضاف لذلك أن اقتصاديين كثرًا تحدثوا وفقًا للمؤشرات الاقتصادية والمالية، عن أن نهاية العام 2025 قد يكون عام انهيار مالي شبيه بما حدث عام 2008.
العملة الخضراء لم تعد "آمنة"
أبرز الانعكاسات كانت على صعيد الدولار، حيث يشير الدكتور مقلّد في هذا الإطار، إلى أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس ترامب تصب أولًا في محاولة منه لتوزيع الخسائر المحتملة على أكبر عدد ممكن من البلدان، وثانيًا في السعي لتأجيل هذه الأزمة وتفادي حصولها، وهذا الأمر يعد بالطبع في غاية الصعوبة، وفي ظل هذا الواقع المضّطرب، فمن الطبيعي أن تكون مكانة الدولار العالمية "مهزوزة".
وفقًا للخبير الاقتصادي، في النظام المالي والتجاري العالمي، يعدّ الدولار مرجعية تسعير لمعظم عمليات التبادل التجارية العالمية، وتتحكم الولايات المتحدة الأميركية بنظام سويفت (Swift) وهو نظام تواصل مالي عالمي يُستخدم لتبادل المعلومات المالية بين المؤسسات المالية والبنوك في جميع أنحاء العالم. إن أي تعديل لهذين البندين أو تغير فيهما نتيجة القرارات المتخذة، سيؤدي حكمًا إلى انخفاض قيمة الدولار، لأن هذا الأخير لم يعد اليوم يمتلك القوة الاقتصادية ولا حتى القوة العسكرية التي كان يمتلكها سابقًا، في حقبة انهيار الاتحاد السوفياتي لحين دخوله إلى العراق.
في السياق عينه، إن هذه الرسوم والحرب التجارية القائمة، تدفع الكثير من الدول للتخلي عن مرجعية التسعير بالدولار والبحث عن تحويلات بعملات أخرى، لأن الولايات المتحدة الأميركية بقرارها هذا تكون قد أخلّت بالمبدأ الاساسي لقانون التجارة، حيث كانت تكرّس سابقًا عدم جواز فرض رسوم جمركية وضرائب تحدّ من انسياب البضائع، وساهمت في خلق مناطق تجارة حرة ومنظمة التجارة العالمية، لذا فمن الطبيعي أن يكون لهذه الإجراءات اليوم- والتي قال الرئيس الفرنسي ماكرون عن تجميدها لمدة تسعين يومًا، إنها لن تغير شيئًا لأنها عملية غير مستقرة وغير آمنة- تأثير كبير جدًا على مكانة الدولار العالمية.
الباحث الاقتصادي يضيف أيضًا، أنه من الطبيعي أن حجم ووزن الولايات المتحدة الأميركية في العالم مهتز، خاصةً أنها وحلفاءها السبعة اللصيقين، باتوا يشكلون نحو 28% من حجم الناتج الاجمالي العالمي بعد أن كانت الولايات المتحدة الأميركية وحدها تتجاوز الـ 40%، بينما مجموعة "البريكس" باتت تشكل ما نسبته 36% حاليًا من هذا الناتج، وبالطبع، فإن هذا التغير "المكاني" إضافة إلى الهزّة الاقتصادية التي تسببت بها بضربها كل المعايير والقوانين المالية والاقتصادية، وضرب اقتصاد حلفائها قبل أي قوى أخرى، سيكون له تداعيات كبيرة جدًا على مكانة الدولار كعملة "آمنة " في العالم.
احتياطي الذهب لا يسد عجزًا
من العملة الخضراء إلى المعدن النفيس، الذهب الذي يشكل الملجأ الآمن للدول والأفراد في حالات الهزات الاقتصادية والحروب، يوضح الدكتور مقلّد هنا أن تغيّر أسعار الذهب عالميًا ناتج عن عوامل مرتبطة بالآثار النفسية العامة لدى المستهلكين التي تسببت بها خطوات ترامب وحالة الاهتزاز واللا ثقة الموجودة في العالم، وفيما يتعلق باحتياطي الذهب الأميركي، فإنه وفي ظل عدم وجود تغطية "ذهبية" للعملة، فإن هذا الاحتياطي يبقى وسيلة اكتناز لديهم، كما أن قيمة هذا الاحتياطي فعليًا لا تغطّي شيئًا من قيمة العجز الموجود في مستوى الدخل.
عواقب تراجع النفط الكارثية
لسوق النفط أيضًا نصيبٌ من التداعيات، حيث رأى الخبير الاقتصادي أن قرارات ترامب الجمركية تسبّبت فعليًا بانخفاض أسعار النفط على عكس ما هو متوقع. هذا الانخفاض يفسّر في سياق الخسارات التي تكبدتها الشركات الأميركية الكبرى مؤخرًا على صعيد قيمتها السوقية، أبرزها شركة " Apple" التي خسرت في اليوم الأول لإعلان القرار، 640 مليار دولار من قيمتها، وشركة "Nike" التي فقدت أيضًا 20% من قيمتها السوقية.
هذه الخسائر تعني، أن هذه الشركات العملاقة لن تصل مجددًا لرقم المبيعات الأعلى الذي بلغته سابقًا، وبالتالي ستقلّص كثيرًا من مستوى الإنتاج لديها، ما يتسبّب بتخفيض استهلاك النفط، يضاف لذلك الركود المتوقع في الاقتصاد العالمي، والذي سيؤدي بدوره لتراجع نسب استهلاك النفط، أي انخفاض الطلب في الوقت الذي يرتفع فيه العرض، فمن البديهي حينها التسبب باختلالات في أسعاره، وهذا من غير الوارد أن يُعالج بسرعة، وإن كان القرار مجمدًا لـ 90 يومًا، إلا أن تأثيراته الضخمة برزت من اللحظات الأولى على كل المؤشرات والدول ونتائج الأعمال.
يضاف في هذا المجال، ما أقدمت عليه الصين مؤخرًا من الامتناع عن الالتزام بمشتريات شركة "Boeing" من قطع غيار وطائرات، وما قد يسببه انعدام الطلب الصيني من تداعيات سلبية جدًا على إنتاج الشركة، والجدير بالذكر أن أسواق الأسهم خسرت ما يقارب الـ 11 تريليون دولار منذ قدوم ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية.
العملات الرقمية تجتاح سوق الدولار
المؤشرات شملت أيضًا العملات الرقمية التي كان لها تأثيرها أيضًا، فرغم محاولات ترامب تحويل جزء من الاحتياطات الأميركية بالعملات الرقمية، تمامًا كما فعلت دول مجموعة "البريكس"، ومهما تأثرت العملات الرقمية بتداعيات الحرب الاقتصادية القائمة، فإنها ستستحوذ على جزء من سوق الدولار لأن ما فعله ترامب بقراراته مع الدول، سيقلّص الحجم السوقي لاستخدام الدولار، وبالتأكيد سيقلّص حجم الاكتناز من هذه العملة. وفي الوقت عينه، وهو وإن سعى لتخفيض قيمة الدولار ليسمح لنفسه بالتنافس أكثر، فإنه غير مدرك للنتائج السلبية لهذه الخطوة، خاصة مع اعتماد الولايات المتحدة الاميركية بشكل أساسي على الاستيراد مع عملة أكثر ضعفًا من العملات الأخرى، لتكون فاتورة الاستيراد بذلك أعلى بكثير.
الولايات المتحدة الأميركيةالاقتصادالصينالدولاردونالد ترامبالذهب
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/04/2025
"نزع سلاح المقاومة"
19/04/2025
أسئلة حقيقية ومغالطات
التغطية الإخبارية
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تقتحم بلدة عرابة جنوب جنين في الضفة الغربية المحتلة
لبنان| انخفاض في أسعار المحروقات
صحيفة "معاريف" "الإسرائيلية": العمليات ضد أنفاق حماس تشبه تفريغ البحر بملعقة صغيرة
لبنان| غارة صهيونية تستهدف سيارة في بعورتا قرب الدامور
لبنان| خرقت مسيّرة صهيونية صباح اليوم الثلاثاء أجواء صيدا على علو منخفض جدًا
مقالات مرتبطة

وزير الخارجية اليمنية يوجّه نداءً للعالم: أوقفوا العدوان الأميركي

الرئيس بري: أميل إلى اللوائح المقفلة.. انعكاس أي اتفاق أميركي - إيراني على المنطقة سيشمل لبنان

بقائي: التفاصيل المُثارَة حول المفاوضات تكهّنات وعراقتشي سيتوجّه غدًا إلى الصين

تقدير "إسرائيلي": هجوم على إيران سيتسبّب بتصادم مع ترامب

لماذا لم يعد وارداً العدوان "الإسرائيلي"- الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية؟

مستويات أسعار الذهب قياسية والفضة في مقدّمة الاستثمارات الجديدة

هل ترفع لجنة المؤشر الحد الأدنى للأجور في اجتماعها الأخير؟

مجلة أميركية: "تصعيد كبير" مقبل بين الولايات المتحدة والصين

ترامب يتراجع: إعفاء الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الصينية من الرسوم الجمركية

إقرار مشروع إعادة هيكلة تنظيم القطاع المصرفي.. ماذا في حيثياته؟

وسط الحصار الأميركي.. الصين تعفي المنتجات اليمنية من الرسوم الجمركية

حرب رسوم مُستعرة بين الصين والولايات المتحدة

ترامب "يعلّق" الرسوم الإضافية المتبادَلة 90 يومًا ويستثني الصين

"أكسيوس": المستثمرون العالميون لا يثقون بالولايات المتحدة

تداعيات رسوم ترامب: قفزة للذهب وانخفاض بأسعار النفط والدولار

"بريكس" والشرق الأوسط والنظام العالمي الجديد

هل أوشك العالم على التحرر من هيمنة الدولار؟!

لافروف: موسكو وبكين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة

هل يُقايض نتنياهو رئيس الشاباك؟
كاتب أميركي: "إسرائيل" تلعب بالنار إذا قرّرت تعطيل المفاوضات الأميركية - الإيرانية

تقدير صهيوني: "إسرائيل" ستعمل على تجنيد دعم إقليمي لخيار عسكري ضد إيران

الكيان في حالة مفاجأة مستمرة مع أميركا بشأن المفاوضات مع إيران

"نيويورك تايمز": ترامب رفض دعم هجوم "إسرائيلي" على إيران

الذهب يُحكم قبضته على الاقتصاد العالمي: ملاذ اللبنانيين الآمن في زمن الانهيارات

للمرة الأولى في التاريخ.. الذهب يتجاوز 3000 دولار للأوقية
