آراء وتحليلات
خمسون عامًا على الحرب الأهلية.. أي دور للعدو "الإسرائيلي" في تسعيرها؟
خمسون عامًا على الحرب الأهلية في لبنان، والشعب اللبناني مع أنه طوى صفحتها عمليًا منذ توقيع وثيقة الوفاق الوطني في مدينة الطائف السعودية، وإقرارها بقانون بتاريخ 22 تشرين الأول/ أكتوبر 1989، بعد أكثر من خمسة عشر عامًا على اندلاعها، ما يزال يعيش أجواءً صعبة وغير مستقرة.. فيها الكثير من مشاهد الانقسامات الداخلية، وفيها الكثير من مشاعر الخوف من الحاضر ومن المستقبل، أجواء غير بعيدة عن تلك التي طبعت تلك الحرب المشؤومة.
صحيح أن الذكرى مؤلمة، وفيها استرجاع للكثير من المشاهد والصور والأخبار القاسية، وفيها الكثير من صور المآسي التي أصابت مقتلاً المجتمع اللبناني بكل مكوناته ومناطقه. وصحيح أن العودة إليها كل عام وتذكُّرِها بكل ما تحمله من مآسٍ، مسألة غير واقعية وتحمل الكثير من علامات التحفظ؛ ولكن تبقى العودة إلى تذكرها ضرورية وشبه إجبارية، نتعلّم منها كي لا نعود ونقع فيها، ونحللها كي نحاول معرفة أسبابها الحقيقية.
صحيح أن بذور الخلافات الداخلية بين مكونات المجتمع اللبناني كانت- وما تزال اليوم- مردها وبجزء غير بسيط إلى ذهنية التنافس والسباق على السلطة، بهدف تحقيق المصالح والمآرب الشخصية والخاصة، من دون الاهتمام والعمل للمصلحة العامة ولمصلحة الوطن ككل. وتحمل هذه الخلافات، أيضًا في طياتها، بعض الانقسامات المبنية على خلفيات عائلية ومذهبية أو طائفية، ولكن كل المعطيات والوقائع الميدانية والأمنية والسياسية، والتي سبقت ورافقت مرحلة اندلاع الحرب الاهلية في نيسان/ أبريل من العام ١٩٧٥ آنذاك، يمكن ربطها بالانقسام الداخلي على خلفية مقاومة ومواجهة الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين، وعلى الخلاف على فكرة إطلاق العمل المسلح وقراره؛ انطلاقًا من الأراضي اللبنانية والجنوبية، تحديدًا ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، وذلك بعد أن كان لهذا العمل المسلح، في حينه، طابع فلسطيني في الأساس، بعد أن شرَّعه اتفاق القاهرة في العام ١٩٦٩.
من تلك اللحظة؛ بدأت مسؤولية الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين بالتسبب بالحرب الأهلية في لبنان. لقد انقسم اللبنانيون بين مؤيد للعمل الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال، وبين معارض لهذا العمل.. فانطلقت شرارة الحرب وتمددت إلى أغلب المناطق، وخاصة في العاصمة بيروت التي انقسمت بين شرقية وغربية، وتمددت في شوارعها خطوط القتال التي أصبحت خطوط تماس قاتلة ومدمرة طوال الحرب حتى بدايات العام ١٩٩٠.
مسؤولية الاحتلال "الإسرائيلي" لم تنحصر فقط بأنها المسبب الرئيس للانقسام الداخلي مع أو ضد العمل المسلح الفلسطيني؛ بل تمددت هذه المسؤولية إلى تأدية دور المغذي الأول والأقوى لهذه الحرب، بطريقة مباشرة عبر تقديم الدعم العسكري إلى أطراف لبنانية داخلية بتزويدهم بالسلاح من جهة ومن جهة ثانية عبر تدريبهم على القتال وعلى استخدام الأسلحة التي زودتهم بها، وبطريقة غير مباشرة عبر الدعم السياسي والاعلامي، بتوجيههم ودفعهم نحو الانعزال وتقسيم البلاد وتفتيها إلى كانتونات طائفية ومذهبية وضرب كل أسس الكيان اللبناني الموحّد، من جهة ثانية.
لاحقًا، ذهب الاحتلال إلى ما هو أبعد في تسعير الحرب الأهلية، وذلك بتدخله المباشر فيها ميدانيًا داعمًا لفريق لبناني ضد فريق آخر، من خلال تنفيذه أكثر من اجتياح واحتلال لأراضٍ لبنانية، في العام ١٩٧٨ باحتلاله قسم كبير من الجنوب اللبناني، وفي العام ١٩٨٢ باحتلاله مناطق واسعة وصولاً الى الجبل وإلى العاصمة بيروت.
لكن استطاع لبنان، بمقاومته والتي كانت طرفًا أساسيًا قاتل وواجه الاحتلال، وبجيشه وبأبنائه المساهمين الرئيسيين في دعم المقاومة، حرّرت أغلب الأراضي اللبنانية المحتلة، وبقي الخلاف قائمًا بين أطراف لبنانية داخلية، وعلى خلفية أحقية أو عدم أحقية حمل السلاح ومقاومة الاحتلال في مناطق محدودة بقيت محتلة في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا.
اليوم، ومع النزاع الذي يخوضه لبنان أيضًا لتحرير النقاط والمناطق التي وسّع العدو احتلاله لها، ما تزال الانقسامات بين أطراف لبنانية، على عدة جوانب، تتمحور بأغلبها على النظرة للعدو والموقف من احتلاله ومن أطماعه في لبنان. وبقيت الخلافات على رؤية كل فريق للعلاقة التي يجب أن تكون مع العدو بعد انسحابه، سواء أكانت تطبيعًا مفروضًا، يعمل عليه العدو ضاغطًا ومستغلاً احتلاله لمناطق معينة، ومشترطًا تسهيل إعمار ما دمره بديلاً لهذا التطبيع.
هكذا، يكون العدو "الإسرائيلي"، وفي كل مراحل الصراعات والنزاعات والخلافات الداخلية، بدءًا بالحرب الأهلية في العام ١٩٧٥، مرورًا بالاجتياحين بين العام ١٩٧٨ والعام ١٩٨٢، وصولاً إلى الحرب المدمرة التي ساقها مؤخرًا على لبنان وعلى غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، المسؤول الأول والمباشر، عن كل ما أصاب لبنان من دمار ومن مآسٍ، وذلك للأهداف الخبيثة الآتية:
- تفتيت وإضعاف الموقف اللبناني؛ وجعله عاجزا عن التأثير، سياسيًا وعسكريًا، في بمواجهة الاحتلال "الإسرائيلي" في فلسطين المحتلة وفي دول عربية أخرى.
- فرضه التطبيع مع لبنان مستغلاً الاحتلال والدمار والحاجة إلى إعادة الإعمار، والتي يعرقلها بالتكافل والتضامن مع الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة والقادرة.
- كسر النموذج اللبناني في التعايش والوحدة، والعمل دائما لإحداث انقسامات وخلافات حمايةً لنموذجه العنصري المقيت.
جيش الاحتلال الاسرائيليالحرب الأهليةبيروت
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/04/2025
"نزع سلاح المقاومة"
19/04/2025
أسئلة حقيقية ومغالطات
التغطية الإخبارية
سرايا القدس: عندما قدمت سرايا القدس شهداءً من الساحة السورية فقد قدمتهم على حدود فلسطين المحتلة
سرايا القدس: بندقيتنا لم تتوجه منذ انطلاقتها إلا لصدور العدو ولم تنحرف يومًا عن الهدف الأساسي والذي هو التراب الفلسطيني الكامل
سرايا القدس: نأمل من إخواننا في الحكومة السورية الإفراج عن إخواننا لديهم
سرايا القدس: الاعتقال تم بطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة لطالما كانت أرضهم حاضنة للمخلصين والأحرار
سرايا القدس: السلطات السورية لم توضح أسباب الاعتقال
مقالات مرتبطة

إعلام العدو يكشف تفاصيل كمين شمالي قطاع غزة

كرة رفض استمرار الحرب في "اسرائيل" تكبر

"بُترت ساقها وكُسر ظهرها".. عروس فلسطينية جريحة قبل أسابيع من زفافها

النائب إلياس جرادي لـ"العهد": "إسرائيل" عدو لجميع اللبنانيين وليس لطائفة

مستشفى المعمداني مجددًا.. الاحتلال يخرج المنظومة الصحية عن الخدمة

الشيخ الخطيب: الضغط على رئيس الجمهورية والجيش لمواجهة المقاومة يعني الدعوة لحرب أهلية.. ولن تتحقق

بالأرقام والمحطات.. مقارنة بين سلاح المقاومة وسلاح المطالبين بسحبه

في الذكرى الخمسين للحرب الأهلية: وعي وطني أكبر من الفتنة

13 نيسان 1975.. حرب لبنان الأهلية تنذكر وما تنعاد

سلام: يهمنا استعادة ثقة اللبناني والإسهام في عملية الإصلاح

الرئيس بري: أميل إلى اللوائح المقفلة.. انعكاس أي اتفاق أميركي - إيراني على المنطقة سيشمل لبنان

بالصور والفيديو| لقاء شعبي تضامني بمناسبة يوم القدس وسط بيروت

بالصور| إحياء ليلة القدر الأولى في بيروت

بمناسبة ولادة الإمام الحسن (ع).. حزب الله يقيم سلسلة أنشطة متنوعة في بيروت
