آراء وتحليلات
أزمة تركيا.. بين الداخل والخارج
شبل العلي
تشير التطورات التي تشهدها تركيا على خلفية اعتقال زعيم المعارضة و المرشح المحتمل لحزب الشعب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة "أكرم إمام أوغلو" إلى أن الساحة الداخلية التركية مقبلة على أزمة سياسية جديدة، سينتج عنها المزيد من التوتر والاستقطاب الداخلي.
بدأت القضية يوم الأربعاء الفائت، عندما أصدرت النيابة العامة قراراً باعتقال رئيس بلدية اسطنبول الكبرى إمام أوغلو، ووجهت إليه تهماً عديدة شملت تنظيم وقيادة جماعة إجرامية، والابتزاز، والرشوة، والاحتيال، والتلاعب بالعطاءات"، إضافة لمزاعم حول تقديمه دعماً غير مباشر لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا بأنه "منظمة إرهابية"، وتوظيف أعضاء منه، ولم يقتصر الاعتقال و قرار الاتهام على أوغلو، بل شمل 84 شخصاًّ بالإضافة إلى 22 آخرين يجري التحقيق معهم قبيل توجيه التهم إليهم.
لا يمكن نفي الخلفيات والأبعاد السياسية للقرارات القضائية الصادرة بحق إمام اوغلو على عكس ما تزعم الحكومة وحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان ومحاولاتهم تصوير الأمر على أنه ملف قضائي مستقل عن السياسة، بل إن اردوغان ذهب لما هو أبعد من ذلك عندما تهم حزب الشعب بالسعي للتخريب والفوضى لإيقاف عمل القضاء.
الأبعاد الداخلية:
وفقاً للدستور التركي الجديد فإن اردوغان الذي فاز بالانتخابات الرئاسية عامي 2018 و 2023 لا يحق له الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في العام 2028، ويحتاج إما إلى تعديل دستوري بأغلبية الثلثين التي لا يمتلكها التحالف الذي يترأسه في البرلمان، أو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وبالمقابل فإن حزب الشعب الجمهوري المعارض كان من المقرر أن يجتمع خلال أيام ليعلن تسمية "إمام أوغلو" كمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تفوقه على أردوغان بفارق واسع.
وعليه فإن أردوغان أراد توجيه ضربة موجعة لمنافسه "أوغلو" وإزاحته من السباق الرئاسي عبر حرمانه من الترشح سواء من خلال القضاء، أو من خلال سحب شهادته الجامعية بذرائع متعلقة بالفساد، حيث يشترط الدستور التركي أن يكون المرشح حاصلًا على شهادة جامعية لقبول ترشحه.
أما لجهة التوقيت، فمن الواضح أن الإجراءات المتخذة بحق إمام أوغلو قد جرى توقيتها بعيد الاتفاق الشهير مع الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، حيث يسعى أردوغان إلى استغلال التزامه بتطبيق الاتفاق من أجل الحصول على تأييد ممثلي الأكراد في البرلمان إلى جانبه، سواء في إجراءاته ضد أوغلو، أو في سعيه لتعديل الدستور، أو حتى لضمان تحالفهم معه في الانتخابات الرئاسية في حال قرر إجراءها قبل موعدها.
إلى الآن، وعلى الرغم من محاولات الإعلام الحكومي التركي المؤيد لأردوغان تصوير الحدث على أنه قي سياق طبيعي، فإن المظاهرات والاحتجاجات الكبيرة التي تشهدها أهم المدن التركية في "اسطنبول و أنقرة وإزمير و طرابزون وأنطاكية وغيرها" تشير إلى أن تركيا تقف على صفيح ساخن، وهو ما عبرت عنه تصريحات مسؤولي حزب الشعب الجمهوري الذين رفعوا سقف مطالبهم إلى حد اعتبار ما يجري انقلاباً من قبل السلطة، وطالبوا بإسقاط أردوغان، كما أن الإجراءات التي اتخذتها السلطة مثل قرارات منع التظاهر، وإغلاق وسائل التواصل الاجتماعي، وإيقاف حركة الميترو، كل ذلك يشير إلى القلق الذي تشعر به السلطات التركية من رد الفعل الذي يزداد ويتسع على الصعيد الشعبي.
الأبعاد الخارجية للحدث التركي:
تشير العديد من الأحداث التي سبقت أو رافقت التوترات في الداخل التركي إلى أن ما يجري لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي والدولي الذي يحيط بتركيا، ويمكن لنا رصد بعض تلك الأحداث والمواقف الإقليمية والدولية:
أولاً؛ تشعر تركيا بالقلق من استبعادها من المحادثات الأميركية -الروسية حول أوكرانيا، وهي التي لطالما استثمرت في هذا الملف طوال ثلاث سنوات من عمر الحرب هناك، ويبذل أردوغان جهده دون جدوى لمحاولة حجز كرسي له في تلك المفاوضات.
ثانياً؛ تخشى تركيا أن ينسحب التوافق الأميركي الروسي على ملفات شرق أوسطية لطالما كانت ميداناً للتدخل والنفوذ والمضاربة من قبل تركيا، وعلى رأس تلك الملفات يأتي الملف السوري الذي بات يشكل هاجساً يؤرق تركيا في ظل تخوفها من فرض التقسيم الذي سيشكل خطرًا على الكيان التركي.
ثالثاً؛ تخشى تركيا من سياسة إدارة ترامب تجاه قضية غزة والقضية الفلسطينية وذلك مع عودة الكيان الإسرائيلي وإدارة ترامب لسياسات القوة العسكرية لفرض مخططاتهما بعيدًا عن رأي الحلفاء وخاصة تركيا.
رابعاً؛ في الملف السوري أيضاً تخشى تركيا من اتهامها بالمجزرة التي ارتكتبها فصائل إرهابية تتبع لها بحق الأقلية العلوية في الساحل السوري وراح ضحيتها الآلاف، وكان ملاحظًا بأن بعض الإعلام العربي و تحديدًا السعودي قد تحدث للمرة الأولى صراحة عن تلك المجزرة وعن الفصائل التي تقف خلفها و عن تبعيتها لتركيا، وتزامن ذلك مع الأحداث في الداخل التركي، ولعل ذلك يعكس توجهًا جديدًا، أو تلويحًا بالحد الأدنى بوجه تركيا في إطار التنافس الإقليمي.
خامساً؛ كان من اللافت أيضاً أن التوترات في الداخل التركي جاءت بعد إصرار الحكومة التركية على موقفها الرافض لتهجير سكان قطاع غزة، والأمر ذاته انسحب على أحد أهم حلفاء تركيا ونقصد الصومال التي كانت مرشحة من قبل واشنطن لتكون إحدى وجهات التهجير، ولعله ليس من المصادفة أن يترافق التوتر داخل تركيا مع محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الصومالي وحليف أردوغان "حسين شيخ محمود" ، بينما أعلن رئيس إقليم أرض الصومال عن موافقته على استقبال فلسطينيي قطاع غزة مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وسواء كان موقف أردوغان من ملف التهجير صادقاً أو كان يدخل في إطار المتاجرة والمقايضة، فإنه في كلتا الحالتين لن يسمح له بذلك من قبل واشنطن.
سادساً؛ يشعر أردوغان بالقلق من التحرك الإسرائيلي على الساحة السورية سواء لجهة التوسع والإحتلال جنوبًا، أو لجهة دعمه لمكونات معادية لتركيا، أو لتعمده استهداف المواقع التي تسرب بأن الجيش التركي يرغب في إقامة قواعد عسكرية فيها مثل مطار T4.
إن قراءة الظروف الإقليمية والدولية ربما جعلت أردوغان يستشعر خطرًا خارجيًا قد يكون له امتدادات داخلية، ولعل هذا ما دفعه للقيام بتحرك استباقي في الداخل خشية من وجود مؤامرة تستهدفه، ولذلك اختار أن يطيح بزعيم المعارضة ومنافسه الأشد "أكرم إمام أوغلو" الذي تحدث قبل أيام من توجيه التهم إليه قائلاً: "عذرًا أردوغان! لقد انتهى عهدك!" ، ولعل كل ذلك جعل أردوغان يعتقد بأن هناك مخططاً خارجيًا و داخليًا في آن معاً يستهدف إبعاده من الخارطة السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، خاصة أن المفاوضات الأميركية الروسية تتسارع انطلاقاً من الملف الأوكراني وصولاً لملفات عديدة يشكل النظام التركي حجر عثرة في العديد منها، ومن الواضح بأن موسكو وواشنطن اللتين لم تعيرا اهتمامًا لأوروبا، فإنهما لن تسمحا بعرقلة جهودهما من قبل دولة أخرى كتركيا، وعليه فإن أردوغان ربما اختار التحوط الداخلي لكنه قد يجد نفسه بين فكي كماشة، أحدهما رد الفعل الداخلي، والآخر يتمثل بالضغوط الخارجية، وقد يكون من المبكر الحديث عن اتجاه الأحداث في الداخل التركي، لكن ما لا شك فيه أن تركيا قد دخلت مرحلة جديدة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
22/03/2025
أزمة تركيا.. بين الداخل والخارج
التغطية الإخبارية
اندلاع مواجهات في بلدة قريوت جنوب شرق نابلس والاحتلال يُطلق قنابل الصوت والغاز
شهيدة طفلة وعدد من الجرحى بانفجار قنبلة ألقتها مسيّرة صهيونية بمنطقة الريان شمال شرق رفح
رئيس وزراء كندا: ترامب يريد كسرنا حتى تتمكن أمريكا من امتلاكنا
وزارة الداخلية التركية تعزل أكرم إمام أوغلو من منصب رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى
طيران الاحتلال الصهيوني يشن غارة على محيط منطقة كف القرارة شمال شرق خان يونس جنوب قطاع غزة
مقالات مرتبطة

تركيا: تصاعُد الاحتجاجات واعتقال العشرات عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول

اتفاق "قسد - الشرع" لمصلحة من وما أسباب استعجال توقيعه؟

عراقتشي: على الحكام الجدد في سورية حماية جميع فئات الشعب السوري

بعد قرار أوجلان حل حزبه.. تركيا ترفع وتيرة عملياتها العسكرية داخل العراق

هل تنسحب تركيا من العراق بعد حلّ حزب العمال؟

ترامب والمضاربة بالملف السوري لصالح "إسرائيل"

الرئيس التركي يستقبل وفدًا من حركة حماس في أنقرة

لماذا فعّل أردوغان الخطة (ب) للاطاحة بالنظام السوري؟
