إنا على العهد

آراء وتحليلات

مغامرة الجولاني في لبنان: تخبيص سياسي وعمالة مكشوفة 
18/03/2025

مغامرة الجولاني في لبنان: تخبيص سياسي وعمالة مكشوفة 

شبل العلي 
شهدت الحدود اللبنانية السورية توترات عسكرية بعد قيام عناصر "هيئة تحرير الشام" "جبهة النصرة سابقًا المصنفة إرهابية" بشن هجوم على قرية القصر في منطقة الهرمل اللبنانية، استخدمت خلاله الراجمات والدبابات والطائرات المسيرة إلى جانب الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وادعت وزارة الدفاع التابعة لسلطة دمشق التي يرأسها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) بأن الهجوم جاء ردًا على قيام عناصر حزب الله بقتل ثلاثة عناصر للهيئة داخل الحدود السورية، غير أن الجهات اللبنانية أكدت أن العناصر الثلاثة قتلوا على يد العشائر بعد توغلهم داخل الأراضي اللبنانية، وجرى تسليم جثثهم للسلطات اللبنانية التي قامت بدورها بتسليمهم للجانب السوري عبر المعابر النظامية، في ما أصدر حزب الله بيانًا نفى فيه أي علاقة له بالحادثة وحذر من زج اسمه في أحداث مشابهة لا علاقة له بها، وتشير أخر التطورات إلى استقدام قوات العشائر اللبنانية لتعزيزات على الحدود بمقابل تعزيزات عسكرية لعناصر "هيئة تحرير الشام" مما اضطرّ  الجيش اللبناني للتدخل ردًا على التعزيزات السورية، وأفادت مصادر إعلامية بمقتل ما يزيد عن 10 عناصر لـ"هيئة تحرير الشام" بالإضافة لتدمير دبابتين وراجمة صواريخ.

تأتي هذه المغامرة الجديدة من سلطة الأمر الواقع في دمشق بزعامة أحمد الشرع في ظل ظروف استثنائية تمرّ بها سورية وأخرى إقليمية، وهو ما يستدعي قراءة هذا الحدث وخلفياته وغاياته محليًا وإقليميًا، فما النوايا الخفية التي أرادتها سلطة الشرع من وراء إشعال هذا التوّتر العسكري على الحدود؟. 
أولًا؛ تريد سلطة الشرع التهرب من الالتزامات الإقليمية والدولية التي أكد عليها قرار المجلس الأمن الدولي الأخير، وخاصة ما يتعلق منها بالعملية السياسية في سورية استنادًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، والذي ترفض دمشق اعتباره أساسًا للعملية السياسية، مبررة ذلك بتغير الظروف والمعطيات على الأرض بعد سقوط نظام الأسد، وتصر على الاستئثار بالسلطة، وهو ما ظهر من خلال الإعلان الدستوري الذي أصدرته سلطة الشرع وقوبل بالرفض من غالبية المكونات السورية.
ثانيًا؛ تريد سلطة الشرع التغطية على المجازر الفظيعة التي ارتكبتها بحق العلويين في الساحل السوري والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال، قتلوا بدم بارد بعد أن جرى تعذيبهم وإذلالهم قبل تصفيتهم بوحشية لم يشهد التاريخ الحديث مثلها، وتحولت مشاهد المجازر المروعة إلى مادة يومية في الإعلام الغربي وعلى لسان المسؤولين الغربيين ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني.
ثالثًا؛ تسعى سلطة الشرع لتضليل الرأي العالم المحلي والعالمي من خلال خلق اشتباك مع حزب الله لتصوير مجازرها على أنها جزء من معركة يكون حزب الله طرف فيها بعد أن ثبت زيف روايتها المتعلّقة بملاحقة فلول النظام السابق.
رابعًا؛ تأتي الاشتباكات على الحدود اللبنانية عشية مؤتمر بروكسل، حيث من المتوقع أن يشكّل المؤتمر عامل ضغط إضافي على سلطة الشرع وأن يضع شروطًا تتعلق بالتحقيق في المجازر وبالعملية السياسية وإشراك المكونات وحقوق الإنسان مقابل رفع العقوبات وتقديم المساعدات، حيث تعتقد سلطة الشرع أن التوّتر مع لبنان يساعدها في تبرير سلوكها المشين بحق الشعب السوري. 
خامسًا؛ تريد سلطة الشرع تقديم ورقة اعتماد لكل من الأميركي و"الإسرائيلي"، خاصة بعد أن هدّد الأميركي بحرب "إسرائيلية" جديدة على لبنان بالتوازي مع حربه على اليمن، وفي ظل تمسك الجانب "الإسرائيلي" بعدم الانسحاب من النقاط الخمس في الجنوب اللبناني، حيث تعتقد سلطة الشرع أن بإمكانها إيجاد دور وظيفي لها في المخطّط الصهيو - الأميركي الإقليمي.
سادسًا؛ تحاول سلطة الشرع استرضاء السعودي من خلال الإيحاء باستعدادها للدخول في اللعبة الإقليمية ضدّ إيران في ظل انطلاق العدوان الأميركي على اليمن من خلال مهاجمة حلفاء إيران في لبنان.
سابعًا؛ خلق أرضية للتدخل التركي في لبنان وإعطائه ورقة ضغط وتفاوض جديدة على المستوى السوري والإقليمي بعد تضعيف ورقة "قسد" بفعل الاتفاق مع دمشق الذي فرضته واشنطن، والحرج الذي أصاب التركي بفعل المجازر التي ارتكبتها الفصائل التي يرعاها بحق العلويين، ويضاف لذلك محاولة التركي خلق مساحة للالتقاء والمقايضة مع "الإسرائيلي" عبر الترويج لفكرة معاداته لحلفاء إيران.
ثامنًا؛ الاستمرار في شد العصب الطائفي لدى الفصائل ونقله إلى الداخل اللبناني بهدف إشغال تلك الفصائل وقادتها، بعد أن ثبت عجز الشرع عن السيطرة المطلقة عليها وتخوفه من انقلابها عليه.
تاسعًا؛ التغطية على الفشل في حشد الجماهير في ذكرى ما يسمّى الثورة في 15 آذار قبل أيام، حيث شهدت ساحات المدن والمحافظات السورية مشاركة ضعيفة للغاية وشبه معدومة، في ما شهدت عدة محافظات في درعا والسويداء والحسكة مظاهرات مناهضة له.
عاشرًا؛ يسعى الجولاني للحصول على دعم مالي لحروبه عبر تمويل خارجي بعد اليأس من إقناع دول المنطقة بمنحه المساعدات المالية أو استقطاب استثمارات عربية أو خارجية في ظل اضطراب سلطته نتيجة الأوضاع غير المستقرة في الداخل، وخاصة بعد ما تسرب عن نصائح رسمية تركية للمستثمرين الأتراك بعدم تجاوز حلب في استثماراتهم على اعتبار سلطة دمشق ضعيفة للغاية، وبعد أن تمنعت دول عدة عن رفع العقوبات بسبب فشل سلطة دمشق في إنجاز التحول السياسي وحماية شعبها.
ختامًا؛ فإن محاولات المكر والخديعة والهروب للأمام عبر الحروب الخارجية التي يمارسها الشرع بتخطيط ودعم من رعاته الإقليميين لن تزيد سلطته "غير الشرعية أساسًا" إلا هشاشة وضعفًا، وشيئًا فشيئًا سيجد نفسه وقد تعرض للاستغلال وتنفيذ الأوامر الخارجية قبل أن يتم لفظه وسلطته خارج اللعبة السياسية الداخلية والإقليمية.

سورياأبو محمد الجولاني

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة