آراء وتحليلات
مجزرة العلويين: ليلة البلور ... والدرّ المنثور
شبل العلي
يستخدم مصطلح "ليلة البلور أو ليلة الكريستال" للتعبير عن ليلتي 9 و 10 نوفمبر/تشرين ثاني عام 1938 عندما هاجمت القوات النازية ممثلة بجيش الإنقاذ النازي وشبيبة هتلر متاجر وممتلكات اليهود في كل من ألمانيا والنمسا والمناطق التي كان يحتلها الجيش النازي قي أوروبا، وقام بتكسير وتحطيم زجاج المحلات الخاصة بهم بحجة مقتل دبلوماسي ألماني في باريس على يد مراهق يهودي في 7 نوفمبر، ونتج عن تلك الهجمات مقتل 91 يهودياً، واعتبرت تلك الحادثة مقدمة لمذابح "الهولوكوست" الشهيرة ..
وفي مشهد مشابه لكنه أكثر فظاعة وعنفاً وترهيباً، شنت الفصائل الراديكالية الإرهابية المدعومة من تركيا إلى جانب قوات الأمن العام وقوات وزارة الدفاع التابعة لسلطة دمشق التي يترأسها أحمد الشرع هجوماً شاملاً وواسعاً على مدن وبلدات وقرى الساحل السوري التي تقطنها الطائفة العلوية في 7 و 8 و 9 مارس/آذار بحجة قيام بعض أفراد المقاومة بشن هجمات على حواجز السلطة في محافظتي اللاذقية و طرطوس.
ما قبل المجزرة:
لم تكن المجزرة المرتكبة بحق العلويين في سورية وليدة اللحظة، فقد سبقها طوال ثلاثة أشهر من وصول تنظيم "جبهة النصرة" بقيادة احمد الشرع للحكم بالتحالف مع الفصائل الإرهابية المتطرفة عدة هجمات ومذابح متفرقة شملت قرى وبلدات عدة في أرياف محافظتي حمص وحماه كمجازر فاحل وعين شمس وقرى غور العاصي، وفي القرداحة وحي الدعتور في محافظة اللاذقية.
ولم تقف الاستفزازات بحق الطائفة العلوية طوال تلك المدة على تلك المجازر، بل أضيف إليها عمليات التسريح الواسعة لعشرات الآلاف من أبنائها من الجيش وقوى الشرطة والأمن وملاحقتهم وحرمانهم من أدنى حقوقهم، بالإضافة لتسريح عشرات الآلاف منهم من وظائفهم وحرمانهم من رواتبهم.
وشملت تلك الاستفزازات تعديات وتجاوزات وانتهاكات على أسس دينية وصلت إلى حد الإهانات والاعتداء على الكرامات والقتل تحت التعذيب، بالإضافة إلى اعتقال الآلاف وزجهم في السجون بدون محاكمات.
وعلى الرغم من المناشدات والمطالبات العديدة التي صدرت عن القوى والهيئات الأهلية والدينية والجهوية والسياسية فقد صمّت السلطات آذانها عن تلك المناشدات وتعمدت تجاهلها والإمعان في مراكمة أسباب الاستفزاز، فيما بدا كأنه رغبة من تلك السلطات في الوصول إلى اللحظة الحرجة التي كانت تخطط لها من أجل تنفيذ تلك المجزرة لغايات تريدها.
تفاصيل المجزرة:
أدت الاستفزازات والانتهاكات والممارسات القمعية بحق أبناء الطائفة العلوية إلى تضييق الخناق عليهم وإجبار بعض العناصر على التعبير عن موقفها بمهاجمة بعض الحواجز العائدة لتلك السلطة في يوم 7 آذار/مارس في كل من جبلة وبانياس واللاذقية، وهي اللحظة التي كانت تنتظرها سلطة الأمر الواقع في دمشق لتنفيذ الانتقام المبيت الذي كانت تخطط له، فسارعت لإعلان النفير العام والدعوة للجهاد ضد أبناء الطائفة العلوية على منابر الجوامع في كل المحافظات السورية، حيث لبت التنظيمات الإرهابية المتحالفة معها والتابعة لتركيا النداء وبدأت الأرتال الضخمة المدججة بجميع صنوف السلاح من دبابات وراجمات ومدفعية وطائرات مسيرة بالتوجه إلى الساحل قادمة من محافظات حمص وحماه وحلب وإدلب ودير الزور ودمشق وريفها، حيث قامت تلك التنظيمات إلى جانب قوات وزارتي الدفاع والداخلية باستباحة أحياء وبلدات وقرى أبناء الطائفة العلوية، وعلى امتداد ثلاثة أيام جرى ارتكاب أفظع الجرائم في التاريخ المعاصر بحق الأطفال والشيوخ والنساء والمدنيين، وتم إبادة عائلات بأكملها من دون تمييز، وترافق ذلك مع عمليات واسعة النطاق لحرق المنازل ونهب المحلات وتدمير للبنية التجارية والمعيشية والاقتصادية، وسرقة السيارات والمحتويات، وتراكمت الجثث في الشوارع في مشهد تم تصنيفه كنوع من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الممنهج والذي جرى الإعداد له مسبقاً بعناية وعن سابق إصرار وتعمد، واضطر سكان الأرياف للهروب خارج قراهم إلى الأحراش والوديان المحيطة هرباً من عمليات القتل والتصفية، وإلى جانب قوات وزارتي الدفاع والداخلية التابعة لسلطة دمشق فقد شاركت تنظيمات "الحزب التركستاني" و "حركة نور الدين الزنكي" و"فصائل العمشات" و"الحمزات"، و"فصيل أحرار الشرقية"، وجميعها كانت منضوية تحت غطاء "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) وتضم عناصر إرهابية من الإيغور والشيشان والتركستان وغيرهم من الحنسيات الأجنبية التي تم إدخالها وما يزال إلى سورية بواسطة المخابرات التركية.
حصيلة المجزرة:
بعد أسبوع من بداية المجزرة لا يمكن الوصول إلى حصيلة نهائية لأرقام الشهداء والمفقودين، بينما بدأت كل قرية بإحصاء شهدائها ومفقوديها والجرحى، وتشير التقارير الأولية إلى 15000 شهيد ومثلهم من المفقودين، فيما تحدثت مصادر محلية ودولية عن ضعف هذا العدد، وما يزال إلى هذا اليوم الكثير من الأهالي خارج قراهم في الوديان والأحراش التي لجؤوا إليها، في ظل انقطاع شبه كامل للكهرباء والماء وانعدام سبل العيش والغذاء، وفقدان الدواء بعد نهب الصيدليات وإغلاق المراكز الصحية في تلك المناطق، والتمنع المتعمد عن إيصال المساعدات الإنسانية.
أهداف المجزرة:
يتضح من الطريقة التي نفذت فيها المجزرة والتخطيط المعد والمسبق لها بأن خلفيات وغايات عديدة ودنيئة كانت وراءها، يمكن تلخيصها بالآتي:
١ـ تهجير العلويين من الساحل الذي يعتبر الواجهة البحرية الوحيدة لسورية، والتي تشكل بوابة إستراتيجية على المتوسط تطمح الدول التي تدعم السلطة الحالية إلى السيطرة عليها.
٢ـ ترهيب العلويين لمنعهم من المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية على اعتبار أنهم يشكلون كتلة بشرية كبيرة نسبيًا ووازنة في الحياة السياسية السورية، وخاصة أنهم يمثلون ما يقارب 20% من السكان، ومعظمهم من الطبقة المثقفة والحاملة للشهادات الجامعية والعليا.
٣ـ السعي لمنع قيام أية مقاومة شعبية في جبال الساحل السوري تكون سندًا للقضية الفلسطينية، وخاصة مع وجود عدد كبير من المسرحين من عناصر الجيش السابق من أبناء تلك المناطق.
٤ـ دفع العلويين لطلب الحماية من تركيا بهدف تبرير دخول قواتها إلى الساحل السوري حيث الأطماع التركية في مصادر الطاقة الموجودة قبالة السواحل السورية.
٥ ـ ترهيب الأقليات الأخرى في سورية وخاصة الدروز والأكراد والمسيحيين، وكذلك ترهيب السنة المعتدلين من خلال التلويح بعصا المجازر في وجههم.
٦ـ التغطية على صمت السلطة الحالية على احتلال "إسرائيل" لأجزاء واسعة في الجنوب الغربي لسورية، وتخاذل تلك السلطة في مواجهة قوات الإحتلال "الإسرائيلي".
الموقف الإقليمي و الدولي:
حتى هذه اللحظة يمكن تقييم الموقف الرسمي الإقليمي والدولي بين المتآمر والداعم أو الصامت والخجول، حيث أعلنت دول الخليج وتركيا دعمها المطلق لسلطة دمشق، فيما كان الموقف الأوروبي داعماً في بداياته قبل أن يتحول تحت ضغط التسريبات المصورة للمجزرة وأعداد الضحايا إلى موقف يمكن وصفه بالضبابي، فيما كان الموقف الأميركي أقرب إلى الصمت المطبق.
وعلى الرغم من أن مجلس الأمن الدولي عقد اجتماعاً حول المجزرة بطلب روسي أميركي، فإنه لم يصدر عنه بيان رسمي حتى اللحظة، فيما بدا كأن واشنطن ودول أوروبا و"إسرائيل" تسعى للاستثمار السياسي في تلك المجزرة دون الالتفات الحقيقي لمعاقبة مرتكبيها.
ومن الناحية الإعلامية فإنه بالرغم من محاولات الدعم والصمت والتعتيم، فإن حجم المجزرة دفع بالعديد من وسائل الإعلام الغربية للحديث عنها، وبدأت كبريات وسائل الإعلام المرئي والمقروء ببث مشاهد مروعة عن عمليات القتل الجماعي والذبح على الهوية ومشاهد الحرق والنهب والسلب، وهو ما بات يشكل عامل ضغط على حكومات الدول الغربية من أجل اتخاذ مواقف فاعلة، ووضعها تحت امتحان ادعاءاتها بالحفاظ على حقوق الإنسان.. ومن المتوقع أن تشهد الحملات الإعلامية التي يقوم بها ناشطون إعلاميون وحقوقيون وسياسيون ومثقفون تصاعدًا كبيرًا في الفترة المقبلة من أجل إجبار المنظمات الحقوقية العالمية ومنظمات حقوق الإنسان وحكومات وبرلمانات الدول الغربية على اتخاذ مواقف حاسمة ضد منفذي تلك المجازر، وسلطة دمشق الراعية لهم.
إن التخاذل الإقليمي والعالمي لن يستطيع أن يمحو أو يخفي تلك الجريمة المرتكبة بحق الطائفة العلوية الكريمة المشهود لها بعروبتها، وبإخلاصها لقضايا أمتها وانتمائها، وهي التي قدمت آلاف الشهداء في مسيرة مقاومة العدو الصهيوني وحلفائه من قوى الإرهاب "الداعشي" و"القاعدي"، ولن تستطيع تلك المجازر أن تلغي الدور الوطني للعلويين في تاريخ سورية الحديث ابتداءً بمقارعة الحكم العثماني وبعده الاحتلال الفرنسي وصولاً لمواجهة العدو الأميركي الصهيوني "الداعشي"، وستبقى أرواح هؤلاء الشهداء تفيض كالدر المنثور لتضيء لأبنائها جيلًا بعد جيل درب العزة و الكرامة.
جبهة النصرةأبو محمد الجولانيسوريةالساحل السوري
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
14/03/2025
الساحل السوري.. ذعر منظم لتهجير الأقليات
التغطية الإخبارية
لبنان| بالصور: حفل تكليف فتيات في مرقد سيد شهداء الأمة
محفل قرآني لبناني إيراني في كفررمان
موشيه يعالون: نتنياهو يماطل في تنفيذ الاتفاق مع حماس لإرضاء سموتريتش
وزير الخارجية السوداني: ملتزمون بقرارات القمة الإسلامية التي رفضت فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة
نائب الرئيس الأميركي: غزونا للعراق أدى إلى تدمير إحدى أعظم المجتمعات المسيحية التاريخية في العالم
مقالات مرتبطة

الساحل السوري.. ذعر منظم لتهجير الأقليات

اتفاق "قسد - الشرع" لمصلحة من وما أسباب استعجال توقيعه؟

"اتفاق قسد مع الشرع"... هل دعمته "إسرائيل" طمعًا بالتطبيع؟

ما هي الهدايا المجانية التي تقدمها مجازر سورية لـ"اسرائيل"؟

خوفًا من تقدم أبناء العشائر... هذا ما تسعى إليه إدارة المسلحين السوريين

عناصر الأمن السوري يرتكبون المزيد من المجازر في الساحل.. والمرصد السوري يُوثّق 110 ضحايا جدد

تفرُّد وإقصاء في الداخل وتدخلات من الخارج... سورية إلى أين؟

تعيين الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية في سورية

ما تشهده سورية راهناً غير مسبوق في التاريخ.. لماذا سلّمت إلى الجولاني؟

الجولاني ليس "معتدلًا".. والمرحلة تتطلب التأني

قلق متصاعد بين مسيحيي سورية: هل بدأ زمن الرحيل؟

زرفة سباهية.. جسر العبور إلى الحقيقة

رئيس سابق في الـ"MI6": العنف في الساحل السوري يُمثّل جرس إنذار لسلطة الشرع
