إنا على العهد

آراء وتحليلات

نحن "في الحرب" التي لم تنتهِ بعد!
19/02/2025

نحن "في الحرب" التي لم تنتهِ بعد!

يقود وصف الوقائع الجارية بسهولة إلى الجزم بأن العدو الأميركيّ-"الإسرائيلي"ّ لا يزال على الهجوم، ومن اليسير للمرء أن يرصد عنجهيّة خطابه وممارساته، حتى يتولّد اليقين بأنّنا "ما زلنا في الحرب"، ويجب التعامل على هذا الأساس.


يخوض العدو حربه الجارية في لبنان والمنطقة، مفرطًا في استخدامه الأدوات العسكريّة والأمنيّة من مداخل عدّة، بعدما حصد مفاعيل حربه الناعمة الثقافيّة، ونتائج حربه الاقتصاديّة، وأعماله السياسيّة القائمة على الثورات الملوّنة ونشر الفتن والمؤامرات، هادفًا إلى "إلغاء المعادلات السابقة، والانقلاب على مخرجات الميدان، وفرض وقائع جديدة تحت مظلّة اتفاق وقف إطلاق النار المؤقّتّ دون الإعلان عن إيقاف الحرب"، وهو لذلك يعتمد على إستراتيجيّات منها: "العدوان المباشر والاستيلاء على استحكمات ميدانيّة جديدة" و"إعادة إنتاج السلطة" و"إشغال المقاومة وأهلها بتعويم العصبيّات والتناحر"؛ وهذه محاولة لتوضيح عناوين تلك الإستراتيجيّات:


1.    العدوان المباشر، لا يتردّد العدو بإعماله القصف لمواقع وأماكن خارج منطقة جنوب الليطاني وداخلها، وتنفيذه عمليات اغتيال لمقاومين ومدنيّين مؤيّدين للمقاومة، واستكمال خطته في تفجير المنشآت والمنازل الآمنة، واستحداث مواقع تحكّم وسيطرة (لبنان وسورية وفلسطين)، وإطالة أمد الاحتلال “الإسرائيليّ” على قرى وبلدات الحافّة الأماميّة للجنوب اللبنانيّ وما فيها من مواقع وتلال إستراتيجيّة رئيسيّة مشرفة على تضاريسها، ومنع الأهالي من العودة إلى قراهم وأرزاقهم وتيسير حياتهم بأمن وأمان، وزرع أجهزة رصد وتنصّت مموهّة، والإصرار الممارس على حريّة الحركة لطائراته ومسيّراته في الأجواء اللبنانيّة وعزمه النيل من القيادات العسكريّة أو الميدانيّة والأيدي التي واجهته (أو الأيدي الملوّثة بالدماء بحسب تعبيره) وما يرصده من قدرات أو تحرّكات عسكريّة للمقاومة، وبسط سلطة الأميركي ومن يرضاه تحت مظلّته العدوانيّة لمراقبة وضبط الحدود اللبنانيّة (الجنوبية مع فلسطين المحتلّة والشرقيّة الشماليّة مع سورية)، ومنع الجيش اللبنانيّ من القيام بواجبه السياديّ بوجه العدو ولصالح الشعب اللبنانيّ ومقاومته، وإشغاله لإحراجه وتظهير عدم لياقته وكفاءته من أجل تمديد مهل الانسحاب أو التعديل بخريطته، ثم تحويل الجيش اللبناني إلى متعقّب لأشرف سلاح ووسائل قتال دفاعيّة عن الوطن، عساه يحرج المقاومة بالجيش أو الجيش بالمقاومة فيسقط الثلاثية الذهبيّة في مكيدته، ليس إسقاطًا من البيانات الوزاريّة وخطاب القسم، وهذا بلا ريب، مسيء لروح المواطنة ومنطق بناء الدولة والكرامة الوطنيّة، إنما إجهاضًا على أرض الواقع وبالأمر الواقع بعد أن يفتعله؛ وهي أوراق فتنة مطويّة ووجه من وجوه العدوان الأميركيّ والإسرائيليّ غير المباشر، تنتظر الظرف المؤاتي للتلاعب بها وتفعيلها ولو بعد حين بذرائع القانون واحتكار العنف وبسط السلطة سيادتها، وغيرها من وقاحة استخدام "السخافات غير البريئة" على مذبح الدفاع عن الإنسانيّة والوطن.


2.    إعادة إنتاج السلطة (في سورية ولبنان)، يعوّل العدو على دور السلطة الرسميّة في كلا البلدين لإحداث السلوك المتمّم لذلك العدوان، أي تثبيت نتائج عدوانه في لبنان وسورية عبر اتخاذ القرارات الرسميّة لضمانة تطبيق الـ ١٧٠١ و١٥٥٩ وفق القراءة الأميركيّة "الإسرائيليّة"، وتكريس ضمه ما احتله مؤخّرًا في الجولان إلى حدوده، وفي تنفيذ الاستحكامات أو بدائلها على الحدود اللبنانيّة، التي تستهدف خط إمداد المقاومة دون سواها، وهو مطلب قديم جديد كان يستخدم تحت عناوين عدّة منها إغلاق المعابر الحدوديّة غير الشرعيّة؛ واستهداف سلاح الإشارة للمقاومة عام 2008 من قبل القوى السياسيّة عينها التي أضيف إليها تشكّلات المنظّمات غير الحكوميّة انطلاقًا من موجة الحصار والفوضى المدبّرة إبان 17 تشرين 2019، على أن تتولّى السلطات الجديدة في كلا البلدين التفاوض بينهما على هوامش تفصيليّة تشكّل "ملهاة" أو "قنابل دخانيّة" لتغطية مجموعة من الأهداف المحدّدة مسبقًا والحائزة على موافقة غرفة عمليّات القيادة الوسطى الأميركيّة، وما على إدارة البلدين إلّا الشروع  بتنفيذها وفق الجدول الزمنيّ المرسوم على مراحل.

3.    تعويم العصبيات والتناحر، لا تقل هذه الإستراتيجيّة خطورة عما سبقها، وتشكّل انقلابًا على مخرجات ما بعد طوفان الأقصى عبر الانتقال من التساند حول "عقيدة المقاومة" والتي بوصلتها فلسطين إلى تعويم التنازع البينيّ والأهليّ والمذهبيّ داخل المجتمعات السورية واللبنانية والفلسطينية وفي ما بينها، وزعزعة العلاقات بين مكوّنات الاجتماع السياسيّ الواحد وإغراق كل ساحة باضطرابات وخلافات جوهريّة وثانويّة.

تشكّل المسألة السورية ومجريات الأحداث فيها والممارسات العنفيّة داخلها وإفرازاتها على الحدود اللبنانية السورية وما يرافقها من خطاب وإجراءات متضافرة مع المخطّطات الخارجيّة، نقطة اهتزاز سيّالة مفتوحة على استخدامات متنوّعة وعديدة بمواقيت مختلفة تتخادم مع مآرب العدو.

 كما تشكّل المسائل الخلافيّة اللبنانيّة، ومنع وصول المساعدات الإيرانيّة، وإعاقة أو تأخير إعادة الإعمار، وسائر القرارات أو الممارسات والجولات الاستفزازيّة كما حصل مع نائب المبعوث الأميركي للشرق الأوسط "مورغان أورتاغوس" أو منع إعطاء إذن بالهبوط في مطار بيروت لطائرة تابعة لشركة «ماهان» الإيرانيّة بعد أقل من يوم على مزاعم جيش العدو بأن حزب الله وإيران «يستخدمان مطار بيروت في عمليات تهريب أموال للتسلح»، وغير ذلك ممّا حصل أو سيستجد ببداهة الخضوع والخنوع لأركان في الحكم، مضافًا إلى هشاشة الدولة والتركيبة المجتمعيّة اللبنانيّة، تشكّل تلك المسائل والقرارات والأحداث وهشاشة البنية المجتمعيّة والسياسيّة أرضيّةً خصبة لاستشراف المزيد من التوتّرات ذات الوظائف المشتركة المطلوبة من تلك السلطات التي أعيد استيلادها تحت النار، في أدق مرحلة تاريخيّة من مواجهة الهيمنة الأميركيّة والهمجية "الإسرائيليّة".

من المناسب التأكيد، أن هذه الإستراتيجيّات تسير أحيانًا بشكل متداخل، وبطريقة موازية ومتفاعلة دائمًا تحت إدارة المايسترو الأميركيّ؛ وأن هذه الإستراتيجيّات ليست قدرًا مبرمًا، إنما يمكن بل يجب التصدّي لها ومواجهتها وإجهاض مقدّماتها وعمليّاتها وأهدافها، ولذلك تبرز ثلاثة أنواع من المقاومة (العسكريّة والأمنيّة، السياسيّة والإعلاميّة، والشعبيّة).


تبقى المقاومة مفخرة المشرق وقدر أهل الكرامة فيه، ونقطة الاقتدار والأمل والعزّة الوطنيّة، تستثمر بأرصدة الصمود وعناصر القوّة والأمانة الصافية لأسمى دم شهدته الأمّة من طوفان الأقصى إلى معركة أولي البأس؛ كما تبقى ركيزة الركائز في ثلاثيّة الشعب والجيش والمقاومة، تتعاون على صيانة الأمن القوميّ لجبهة المقاومة كمقدّمة ضروريّة لإعادة تحرير وبناء الدول والأوطان على أسس "السيادة والاستقلال والحريّة" الحقيقيّة، بشرف وتضحية وفداء، ولإحراز أكبر حدث جيوسياسيّ مشرّف، بإذلال الهيمنة الأميركيّة وكيانها المؤقّت في منطقتنا، والحرب سجال ولم تنته بعد.

 

المقاومة الإسلاميةلبنانالولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيوني

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
النائب فضل الله: ما يحصل من حولنا يزيدنا تمسّكًا بعناصر القوّة
النائب فضل الله: ما يحصل من حولنا يزيدنا تمسّكًا بعناصر القوّة
بالفيديو| الشهداء القادة على طريق القدس
بالفيديو| الشهداء القادة على طريق القدس
حزب الله وجماهير المقاومة يشيّعون الشّهيد علي بحسون في طيردبا
حزب الله وجماهير المقاومة يشيّعون الشّهيد علي بحسون في طيردبا
رئيس بلدية عيترون لـ "العهد": تشييع اليوم لتجديد العهد للشهداء .. ونحن باقون مقاومة منتصرة
رئيس بلدية عيترون لـ "العهد": تشييع اليوم لتجديد العهد للشهداء .. ونحن باقون مقاومة منتصرة
المقداد: المقاومة ستستمر في نضالها حتى تحقيق أهدافها
المقداد: المقاومة ستستمر في نضالها حتى تحقيق أهدافها
الاحتلال يواصل اعتداءاته.. توغُّلات وتجريف واستهداف مواطنين جنوبًا 
الاحتلال يواصل اعتداءاته.. توغُّلات وتجريف واستهداف مواطنين جنوبًا 
المفتي قبلان: ما تقوم به "إسرائيل" في الجنوب أمر كارثي ولا يمكن السكوت عنه     
المفتي قبلان: ما تقوم به "إسرائيل" في الجنوب أمر كارثي ولا يمكن السكوت عنه    
جلسات رمضان القرآنية تزدان بمحضر الشهداء‎
جلسات رمضان القرآنية تزدان بمحضر الشهداء‎
حصاد نشاط حزب الله الرمضاني في صيدا والجوار على مدى أسبوع
حصاد نشاط حزب الله الرمضاني في صيدا والجوار على مدى أسبوع
الوجبة الأميركية الإسرائيلية المسمومة
الوجبة الأميركية الإسرائيلية المسمومة
لماذا أُسقط دور «اليونيفل» في الجنوب؟
لماذا أُسقط دور «اليونيفل» في الجنوب؟
حملة مقاطعة أميركا تجاريًّا من كندا إلى أوروبا.. وأميركا تفرض شرطًا على الزوار الكنديين
حملة مقاطعة أميركا تجاريًّا من كندا إلى أوروبا.. وأميركا تفرض شرطًا على الزوار الكنديين
بعد تنصيب ترامب.. 5 "مليارديرات" أميركيين خسروا 209 مليارات دولار
بعد تنصيب ترامب.. 5 "مليارديرات" أميركيين خسروا 209 مليارات دولار
ترامب يُشعل حرب رسوم جمركية مع أوروبا 
ترامب يُشعل حرب رسوم جمركية مع أوروبا 
المكسيك تردّ على اجراءات ترامب: تعديل دستوري ضدّ التدخلات الأجنبية
المكسيك تردّ على اجراءات ترامب: تعديل دستوري ضدّ التدخلات الأجنبية
السيد الحوثي: حظر الملاحة "الإسرائيلية "خطوة أولى لمواجهة تجويع الشعب الفلسطيني
السيد الحوثي: حظر الملاحة "الإسرائيلية "خطوة أولى لمواجهة تجويع الشعب الفلسطيني
"تجمع العلماء": التطبيع مع العدو لا يمكن أن يحصل في لبنان
"تجمع العلماء": التطبيع مع العدو لا يمكن أن يحصل في لبنان
سبعة وأربعون عامًا على عملية كمال عدوان البطولية
سبعة وأربعون عامًا على عملية كمال عدوان البطولية
كاتس يُهدّد من قمة جبل الشيخ: الجولاني سيرانا من قصره في دمشق 
كاتس يُهدّد من قمة جبل الشيخ: الجولاني سيرانا من قصره في دمشق