آراء وتحليلات
أزمة اقليم كردستان المالية.. بين الحسابات السياسية والاعتبارات الانسانية
بغداد - عادل الجبوري
منذ بضعة أعوام، يعاني ملايين الناس في إقليم كردستان العراق أوضاعًا حياتية صعبة للغاية، بسبب تلكؤ وصول المستحقات المالية لأكثر من مليون موظف ومتقاعد بصورة شهرية منتظمة. ولأن طبيعة الحراك الاقتصادي بشقيه الاستهلاكي والإنتاجي متداخلة ومترابطة إلى حد كبير، فإن "أزمة" الرواتب في الإقليم لم تقتصر وتنحصر في تداعياتها وإسقاطاتها على الموظفين والمتقاعدين والفئات الأخرى التي تتقاضى رواتب حكومية، وإنما امتدت إلى مختلف الشرائح الاجتماعية. ولم تفلح الحلول والمعالجات الجزئية الترقيعية في احتواء وتطويق "الأزمة" إن لم تكن قد زادت تعقيداتها وتشابكاتها مع مرور الوقت.
ولا شك في أن هناك جملة عوامل وظروف ساهمت بدرجات متفاوتة في إيجاد أزمة الإقليم المالية، ومن ثم تفاقمها، ومن بين تلك العوامل والظروف، طبيعة العلاقة المضطربة والمتذبذبة بين السلطة الاتحادية في بغداد من جهة، والحكومة المحلية في إقليم كردستان من جهة أخرى. تلك العلاقة التي اتسمت على طول الخط بضعف-او انعدام الثقة-الأمر الذي تسبب في بقاء مختلف الملفات مفتوحة، كملف المناطق المتنازع عليها، وملف قانون النفط والغاز، وملف الموارد المالية وكيفية التعاطي معها وتوزيعها، ناهيك عن عدم تبلور صيغة النظام الفيدرالي الذي يحدد ويرسم الحدود الفاصلة بين وظائف ومهام وصلاحيات وحقوق كل من المركز والإقليم، بالشكل الصحيح، ويترجم نصوص الدستور النظرية إلى واقع عملي على الأرض. فضلًا عن الإخفاق بتنفيذ مختلف الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة بين الطرفين.
وارتباطًا بذلك، فإن حلقات وشبكات الفساد الإداري والمالي، والبيروقراطية المقيتة، والحسابات السياسية الضيقة، في منظومات السلطة الاتحادية، ومثلها تقريبًا في إقليم كردستان، إلى جانب تعدد مراكز القوى وتقاطع المصالح والأولويات في بغداد، والخلافات والصراعات الداخلية في الإقليم، والمؤثرات الخارجية الإقليمية والدولية، ساهمت جميعها في إيجاد الأزمة، وفي أوقات لاحقة، بصعوبة التوصل إلى حلول ومعالجات واقعية وعملية وجذرية لها.
أضف إلى ذلك، فإن الأزمات الاقتصادية المتمثلة في التراجع الحاد بأسعار النفط في بعض الأوقات، وتأثيرها المباشر والسريع على مجمل الوضع العراقي العام، ومن ضمنه إقليم كردستان، كان لها دور-ربما غير قليل-في أزمة الإقليم المالية، وهذا شيء طبيعي بالنسبة لعموم العراق، الذي يعتمد بصورة شبه كلية على النفط، بحيث أن أي اختلال وتراجع في أسعاره عالميًا، ينعكس سلبًا خلال وقت قصير جدًا، خلافًا للعديد من الدول النفطية الأخرى، التي تمتلك موارد مالية إلى جانب العائدات النفطية، فضلًا عن الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به، فيما يفتقده العراق منذ عقود.
ليس هذا فحسب، بل إن موجة الإرهاب الداعشي التكفيري التي اجتاحت مدن ومناطق عديدة من البلاد في صيف عام 2014، أربكت الأوضاع الحياتية العامة، ولم يكن إقليم كردستان بعيدًا عنها، إن لم يكن قد تأثر بها بدرجة أكبر من بعض محافظات البلاد، نتيجة نزوح أعداد هائلة من أبناء المدن التي دخلها تنظيم "داعش" الإرهابي، إلى محافظات الإقليم، ليخلق ذلك مزيدًا من الضغوط المالية على سلطة الإقليم.
ولعل الحقيقة الشاخصة والواضحة للكثيرين، هي أنه لا يمكن لأي طرف أن يتنصل عن مسؤوليته عن الأزمة، ويلقي باللائمة على الطرف الآخر، في ذات الوقت، فإنه من غير الممكن لأي منهما، سواء الحكومة الاتحادية أو حكومة الإقليم، أن تبلور حلولًا ومعالجات عملية بمعزل عن الأخرى.
فمثلما أن الطرفين مسؤولان بقدر معين، وارتباطًا بظروف ومبررات ودواعي مختلفة، عن الأزمة، فكلاهما معنيان بإيجاد الحلول المطلوبة لها، تلك الحلول التي تفضي إلى إنهاء معاناة الناس في أربيل ودهوك والسليمانية، أو على الأقل، التخفيف منها إلى أقصى قدر ممكن.
والمدخل الصحيح والطريق المختصر لذلك، يتمثل بوضع الحسابات والإشكاليات والمصالح والمناكفات والتراكمات السياسية جانبًا، والتعاطي مع الأزمة ببعدها الإنساني البحت، الذي يضمن تسلم متقاضي الرواتب في الإقليم لرواتبهم بصورة شهرية منتظمة، أسوة بنظرائهم في العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب. لأن التوصل إلى تفاهمات وتوافقات شاملة بين بغداد وأربيل حول كل القضايا والملفات السياسية والأمنية والاقتصادية مرة واحدة، يبدو أمرًا صعبًا للغاية، إن لم يكن بعيد المنال.
وأغلب الظن، أن لدى كل من بغداد وأربيل تصورات ورؤى عن كيفية فصل ملف رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم عن الملفات الأخرى، وهذا أمر جيد، بيد أن مجمل المعطيات تؤكد أن هناك تباينًا غير قليل بين تصورات ورؤى كل من الطرفين، بفعل إسقاطات المواقف والحسابات السياسية غير البعيدة عن ضعف أو انعدام الثقة، إلى جانب حقائق الأرقام التي يمتلكها كل طرف في قبال الطرف الآخر.
إعطاء الأولوية للاعتبارات الإنسانية، مع الأخذ بنظر الاعتبار حقيقة أن الرواتب تعد حقوقًا وليست منحًا أو هبات تقدمها الحكومة الاتحادية أو الحكومة المحلية لمستحقيها. مع التعاطي بمرونة وتقديم التنازلات المتبادلة الممكنة والمتاحة، دون الابتعاد عن المحددات والضوابط الدستورية والإدارية السليمة، يمكن أن يفضي للتوصل إلى مخارج وحلول ومعالجات مقبولة ولو بالحد الأدنى، وترك الملفات الأخرى مفتوحة للبحث والتفاوض والنقاش الطويل.
قد تمثل أجواء العلاقات الإيجابية بين بغداد وأربيل في ظل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، أرضيات مناسبة لحلحلة "أزمة" رواتب الإقليم من باب الاعتبارات الإنسانية بعدما فاقمتهما وعقّدتها و"شربكتها" الحسابات السياسية، والملفات المستعصية، والثقة المفقودة! وكل ذلك لن يتحقق إلا بتوفر النوايا الصادقة، والتوجهات السليمة، والإرادات الجادة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
11/03/2025
ملامح الخطط الأمريكية الشيطانية للبنان
11/03/2025
غزة بين الجحيم والتهديد والحيل
10/03/2025
الساحل السوري: خطاب التكفير يقود الى إبادة
التغطية الإخبارية
فلسطين المحتلة| مدير عام "مصلحة مياه بلديات الساحل" يناشد بالتدخل العاجل لإعادة تشغيل محطة تحلية مياه البحر
فلسطين المحتلة| قوات خاصة "إسرائيلية" تعتقل الشاب محمد خالد حويل قرب بلدة اليامون غرب جنين
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تعتقل شقيقين من بلدة فرخة قضاء سلفيت
المرصد السوري: وثقنا اليوم إعدام 93 مدنيًا في محافظتي طرطوس واللاذقية وارتفاع ضحايا الإعدامات في الساحل السوري إلى 1476 مدنيًا
الناطق باسم حركة حماس جهاد طه: ملتزمون بالاتفاق وتنفيذه ومنفتحون على كافة القضايا التي تخدم شعبنا
مقالات مرتبطة

بزشكيان يزور إقليم كردستان: حريصون على توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري

جذور علاقة الانفصاليين الأكراد بالكيان الصهيوني

العراق: الديمقراطي الكردستاني يهدد بالانسحاب من الحكومة والبرلمان.. فهل من أفق؟

الصحف الإيرانية: تعزيز العلاقات بين أربيل وتل أبيب دعمت الإرهاب في المنطقة
