نقاط على الحروف
مخططات ترامب تهدد الأمن العالمي.. كيف يحمي لبنان نفسه؟
تهديدات وجودية حقيقية تحملها التحوّلات الدراماتيكية التي عصفت بالمنطقة نتيجة حرب الإبادة العدوانية التي شنّتها حكومة بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين في قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، وما أعقبها من حرب تدميرية وحشية على لبنان تركت تداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية، فضلاً عن التغيّرات "الجيوسياسية" في سورية التي لم تنته فصولها بعد مع تهافت القوى الإقليمية والدولية على تقطيع أوصال هذا البلد، وتشتدّ هذه التهديدات مع أجندة الفوضى التي يثيرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أنحاء الكرة الأرضية، والتي لم يوفّر فيها الحليف والصديق فضلاً عن الخصم والعدو، وصولاً إلى الابتزاز الصريح والمباشر لإيران عبر تخييرها بين مفاوضات قهرية تنازلية أو الحرب.
ولعلّ ما يعنينا من الحديث في خضم اشتعال بؤر التوتر في العالم هو الضغوطات التي تمارسها حكومة العدو على لبنان اعتماداً على ما تعدّه هزيمة مني بها حزب الله والمقاومة في حرب أيلول 2024،ما يدفعها قدماً إلى استكمال حربها في اتجاهين، الأول عبر الاستمرار في الضغط العسكري من خلال إمعانها في خرق القرار 1701، حيث أعلن نتنياهو جهراً بعدم نيته الانسحاب من النقاط الخمس التي يحتلها في الأراضي اللبنانية، فيما تتواصل سلسلة الاستهدافات التي تطول مختلف المناطق اللبنانية والاغتيالات الفردية بذريعة رصدها أنشطة لحزب الله، أما الثاني فهو الضغط السياسي في اتجاه الدفع بلبنان الرسمي للدخول في حظيرة التسوية مقدّمة للتطبيع الذي لا تعارضه غالبية الدول العربية، بل توفّر مقدّماته الضرورية بانتظار ساعة الصفر.
وفي هذا السياق يرى متابعون أن نتنياهو يخوض في الوقت الراهن حرباً أمريكية بعناوينها وتفاصيلها كافة، مستفيداً من الدعم اللا محدود الذي يوفره له ترامب الطامح إلى بناء "الشرق الأوسط الجديد"، ما يحفّزه على الاندفاع أكثر باتجاه تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى"، وهو الذي بات شعاراً معلناً بعدما كان مشروعاً متداولاً في الأطر الضيقة لدوائر التخطيط الصهيونية، ولذا - يضيف المتابعون – فمن المرجّح أن تشهد المرحلة المقبلة تطورات ميدانية متسارعة على وقع استعجال أمريكي - "إسرائيلي" لإعادة تشكيل المنطقة، ولكن ذلك لا يعني أن المسارات مفتوحة، حيث تبرز العديد من العقبات التي من شأنها أن تفرمل الاندفاعة الترامبية، وتدفعه إلى إعادة ترتيب أولوياته من جديد وأهمها:
- الموقف المصري الرافض للمشروع الأمريكي بمصادرة قطاع غزة الذي حظي بغطاء عربي، والذي سيشهد تصلّباً إضافياً ليس نابعاً من الحرص على الفلسطينيين ومصيرهم، بل لأن تنفيذ هذا المشروع يعني نهاية مصر كدولة وكيان، وستجد نفسها على قارعة الدول المتصحّرة، حيث ستحلّ قناة "بن غوريون" بدلاً من قناة السويس، وسيحط الخط التجاري الهندي عند ساحل عسقلان، ويمر النفط العربي عبر فلسطين باتجاه أوروبا ومنه إلى الولايات المتحدة، حتى أنها ستُحرم من محصول صيد الأسماك على شواطئ قطاع غزة.
- التعقيدات التي تشهدها الساحة السورية التي لمّا تجد سبيلها إلى الاستقرار مع استفحال فوضى القتل العشوائي والانتقام من الأقليات العلوية والشيعية وتوسّع دائرة الاشتباكات العسكرية في أكثر من منطقة، واهتزاز الاتفاق الذي وقعه أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) مع القوات الكردية، أما في الجنوب فتواصل "إسرائيل" قضمها التدريجي للأراضي السورية، وباشرت بإقامة كانتون درزي وتنشر قواتها على السلسلة الغربية، وتنوي التمدّد نحو الشرق حيث المعادن الثمينة وصولاً إلى الشمال الشرقي حيث بوابتها إلى فرات العراق، وانتقالاً إلى الساحل فيبدو أن روسيا مطمئنة لوجودها العسكري الذي يمنحها موطئ قدم في الخارطة، فيما تحاول تركيا بصعوبة تثبيت أطراف تحكّمها بالنظام الجديد وعينها شاخصة دوماً إلى إزالة "التهديد الكردي" دون جدوى حتى الآن.
- الردّ الإيراني على تهديد ترامب الرافض لأي مفاوضات تحت الضغط في ظل فقدان الثقة بالنوايا والأهداف الأمريكية، خصوصاً أن واشنطن تريد من طهران أن تجرّد نفسها طوعياً من كل مقوّمات القوة والاقتدار، حيث إن "الإملاءات" الترامبية تتجاوز الملف النووي باتجاه الحد من القدرات الصاروخية الإيرانية بما يفقد إيران إمكاناتها السيادية، وهذا ما يرفضه الإيرانيون قطعاً، وقد عبّر الإمام الخامنئي عن هذا الرفض بشكل صريح وواجه التهديد بالتهديد، وهو ما قد يستغلّه نتنياهو لاستهداف المنشآت النووية الإستراتيجية الإيرانية بغطاء أمريكي، ما قد يفتح المنطقة برّمتها على آفاق سوداء بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ويعيد الحسابات إلى نقطة الصفر.
- الحرب على لبنان سوف تستمر في الجوانب السياسية والإعلامية والاجتماعية، بالترافق مع استمرار العدوان "الإسرائيلي"، بهدف التأثير نفسياً ومعنوياً في بيئة المقاومة الخاصة والعامة، والسعي إلى ضرب ارتباطها بحزب الله والمقاومة قيادات ورموزاً وتنظيماً، خصوصاً في الفترة الفاصلة عن استحقاق الانتخابات النيابية العام المقبل، والتي يراد لها أن تكون محطة تكرّس مقولة هزيمة حزب الله ونزع سلاح المقاومة، وقد نصّبت "القوات اللبنانية" نفسها قائدة لهذه الحملة فيما بدأت الأصوات تصرّح علانية بالدعوة إلى "السلام مع إسرائيل" تماشياً مع التصريحات الأمريكية في هذا الخصوص، إلا أن هذا الصراخ لا يجد له صدىً لدى المقاومة وبيئتها، فضلاً عن الإنكار الرسمي لوجود مثل هذا التوجّه على الأقل في الوقت الراهن.
في المقابل، يلفت المتابعون إلى أن رؤية حزب الله لنزع سلاحه تعني ضرب مبدأ ومفهوم المقاومة، وأن تحوّله نحو العمل السياسي بالكامل يعبّر عن برنامج العدو "الإسرائيلي" ويتوّج جهوداً بذلتها أميركا والغرب لعقود من الزمن لتحقيق هذا الهدف دون جدوى، خصوصاً أنه لا ولم يكن يوماً من أصحاب نظريات السلطة كما سائر الأحزاب اللبنانية، وأن قضية السلاح لا تتعلق فقط بقرار السلم والحرب، حيث سيعقبها حتماً الذهاب نحو عقد اتفاقية سلام مع العدو تمهّد للتطبيع، ولن يقتصر الأمر على هدنة 1701 ووقف إطلاق النار فقط وفق التصريحات الأمريكية نفسها، وعليه فإن الحزب وعلى الرغم من حرصه على بناء الدولة والحفاظ على مؤسساتها وعلى رأسها الجيش فإنه لن يسير في هذا المنحى، لأن ذلك يعني كشفه وبيئته بشكل كامل أمام الاستباحة الأمريكية – "الإسرائيلية" وهو أمر غير وارد أو قابل للنقاش.
ويبني حزب الله مقاربته الواقعية على أساس مجموعة من المحدّدات في سياق تعامله مع الملفات السياسية الداخلية، وأهمها التأكيد على أن "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه" كما جاء في مقدّمة الدستور، وأن المقاومين هم أبناء هذا البلد الذين يدافعون عن أرضه ويحفظونها بدمائهم وأرواحهم، وهذا حق إنساني طبيعي كفلته الأعراف والمواثيق الدولية، وأن الحزب الذي يشارك في الحكومة والمجلس النيابي يحوز أكبر كتلة انتخابية في لبنان لم يفقد قوّته ولم يضعف حضوره السياسي والمؤسساتي، ولا يزال أقوى حزب سياسي على مستوى العدد والعدّة والانتشار، وبالتالي فهو عنصر اقتدار للبنان الدولة والكيان، وسلاحه هو لحماية البلد.
ويدعو المتابعون إلى عدم استباق أي سيناريو في إطار استشراف آفاق المرحلة المقبلة، فالمنطقة تتأرجح اليوم على وقع فوالق كثيرة متحركة، وأي تطوّر على الساحة الدولية قد يفتح على مستجدّات تقلب الأمور رأساً على عقب نظراً لتأثر المنطقة بارتدادات الزلازل التي يفتعلها ترامب في الشرق والغرب والوسط الأوروبي الذي يعيش هاجس التغوّل الروسي بعد أن تضع حرب أوكرانيا أوزارها وفق ما هو معلن، ولكن لا شيء حاسماً حتى الآن، والأهم في ذلك كلّه الحفاظ على تماسك لبنان الداخلي في وجه العواصف الآتية.
لبناندونالد ترامبالحكومة الاسرائيلية
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
13/03/2025
مجددًا.. جرائم الحرب تلاحق "إسرائيل" دوليًا
10/03/2025
عن أمسية الطمأنينة.. حوار بين الأمين وأهله
التغطية الإخبارية
محفل قرآني لبناني إيراني في كفررمان
موشيه يعالون: نتنياهو يماطل في تنفيذ الاتفاق مع حماس لإرضاء سموتريتش
وزير الخارجية السوداني: ملتزمون بقرارات القمة الإسلامية التي رفضت فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة
نائب الرئيس الأميركي: غزونا للعراق أدى إلى تدمير إحدى أعظم المجتمعات المسيحية التاريخية في العالم
الدفاع المدني: شهيدان في غارة صهيونية استهدفت سيارة في بلدة برج الملوك جنوب لبنان
مقالات مرتبطة

السفارة الإيرانية تطلق السلة الرمضانية المخصصة لأبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان

محافل قرآنية مميزة في مقنة وماسا وميسلون

قلق متصاعد بين مسيحيي سورية: هل بدأ زمن الرحيل؟

الرئيس بري: لبنان سيلجأ لكل الوسائل المتاحة لحماية حقوقه وتحرير ما تبقى من أرضه

العلامة الخطيب: الأحداث المروعة والمجازر توضح أهداف المشروع الغربي والمستقبل المعد لهذه المنطقة
"آسيا تايمز": ترامب أمام تحديات داخلية صعبة

بنما تردّ على ترامب: قناتنا ملكٌ لنا وسيادتنا غير قابلة للنقاش

متظاهرون يحتجّون أمام برج ترامب للمُطالبة بالإفراج عن ناشط فلسطيني

اتفاق "قسد - الشرع" لمصلحة من وما أسباب استعجال توقيعه؟

"يديعوت": نهاية خطة "الترانسفير" في غزة

"إسرائيل" في الجنوب السوري: تغوّل دؤوب... في انتظار كلمة واشنطن

"إسرائيل" تلعب في الصحن الدرزي في سوريا ولبنان

أزمة ثقة حادة بين نتنياهو ورئيس "الشاباك"

الأوهام"الإسرائيلية" من المسلّمات
