إفادة رئيس الشاباك ترسم صورة مخيفة عن نتنياهو

رأى المحلل العسكري، في صحيفة "هآرتس الإسرائيلية"، عاموس هرئيل أنّ رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو يسعى إلى تحويل أجهزة الاستخبارات إلى نوع من الشرطة السرية — على غرار "شتازي" أو "سيكوريتاتة" بنسختها الأوروبية الشرقية — ويتوقع من هذه الشرطة السرية أن تُطيع أوامره فقط، وأن تخدم أهدافه الشخصية، وأن ترقب الحركات الاحتجاجية المناهضة له، وأن تنفّذ تعليماته حتى في حال اندلاع أزمة دستورية ومواجهة مباشرة مع المحكمة العليا.

في مقال له، رأى هرئيل أنّ هذا ما يُستخلص من الإفادة العلنية التي قدّمها، يوم أمس، رئيس جهاز الشاباك رونين بار إلى المحكمة العليا. والجزء السري من الإفادة، والتي يبلغ حجمها ما يقارب 4 أضعاف الجزء العلني المنشور، تحتوي تفاصيل واسعة عن وقائع وأدلة تتجاوز بكثير ما كُشف في القسم العلني.

وأشار هرئيل إلى أنّه، في العام 2016، أجرى نتنياهو مقابلات مع مرشحين لرئاسة جهاز "الموساد". وفي لقاء حاسم مع أحدهم، والملقب بـ"ن"، طرح نتنياهو عليه — بحسب ما ورد في وسائل الإعلام — سؤالًا مباشرًا: هل سيكون مُخلصًا له شخصيًّا؟ فردّ المرشح المذهول بأنّه سيكون مخلصًا لـ"الدولة" (الكيان)، وعلى الأرجح، بهذه الإجابة خسر المنصب الذي تولّاه في نهاية المطاف يوسي كوهين.

وفقًا لهرئيل، الصورة التي يرسمها بار لشخصية نتنياهو، خلال عامي 2024 و2025، هي أقل اكتراثًا حتى بالقيود الشكلية أو الأخلاقية، مشددًا على أنّ ما يظهر من الإفادة هو شخصية مخيفة بكل معنى الكلمة. وذكر أنّه، بحسب وصف رئيس الشاباك، كان نتنياهو يعقد اجتماعات، وفي نهايتها يأمر سكرتيره العسكري وكاتبة محضره بالخروج من الغرفة، ليُحاول بعدها إصدار تعليمات مباشرة له، تُطالبه بمراقبة شخصيات قيادية أو مموّلين لحركة الاحتجاج ضده، استنادًا إلى شكوك نتنياهو. وأضاف أنّ نتنياهو طالب بار التوقيع على وثيقة صيغت في مكتب رئيس الحكومة، تهدف إلى منحه إعفاءً أمنيًّا يُتيح له التغيب عن حضور جلسات محاكمته الجنائية خلال الحرب.

ولفت هرئيل إلى أنّ الأخطر مما ذُكر أعلاه — وفقًا لما قاله بار — أنّ نتنياهو طالبه، في حال حدوث أزمة دستورية، بأن يطيع أوامره هو شخصيًّا، وليس أوامر المحكمة العليا". وبالنسبة إلى هرئيل، هذه الاتهامات شديدة الخطورة، ويُطرح معها التساؤل الآتي: هل تلقّى رؤساء الأجهزة الأمنية الأخرى، رئيس الأركان ورئيس الموساد والمفتش العام للشرطة، مطالب مشابهة من نتنياهو؟ وكيف أجابوا عنها؟ ويُطرح أيضًا سؤال إن كانت الشرطة، والتي فقدت منذ زمن بعيد عمودها الفقري المهني، قد وافقت على تنفيذ مهام رفض الشاباك الامتثال لها.

كما رأى هرئيل أنّ قراءة إفادة بار ليست بالأمر السهل، بل قد تكون تجربة مرعبة، حتى بعد أكثر من عام ونصف من الحرب التي سبقتها 9 أشهر من محاولة انقلاب دستوري، مشددًا على أنّ قيمة هذه الوثيقة تكمن في أنّها توفر إجابات دقيقة لكثير من الادعاءات الكاذبة التي يروج لها أنصار نتنياهو، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، في محاولة لتبرئته من مسؤوليته الجوهرية عن سلسلة الإخفاقات التي أدت إلى الكارثة جاءت في أعقابها.

كذلك، ذكر هرئيل أنّ بار يعترف بالأخطاء التي ارتكبها هو وأفراد جهازه في ما يتعلق بالتعامل مع التحذيرات، ويُعلن عزمه على الاتفاق قريبًا عن موعد مغادرته منصبه. ومع ذلك، يرفض الادعاء الذي يحاول نتنياهو ترويجه بأنّ معلومات عن "هجوم" (عملية طوفان الأقصى) حماس قد أُخفيت عنه عمدًا. وأضاف: "يتّضح من الوثيقة أنّ الشاباك عمل بجد لتحليل التحذيرات الاستخباراتية- ومثل الجيش "الإسرائيلي"، وقع في تقدير خاطئ كارثي- خلال الساعات التي سبقت "الهجوم"، حتى إنّ بار أمر بإبلاغ السكرتارية العسكرية لرئيس الحكومة عن التحذيرات، قبل ساعة وربع من الكارثة -المعلومات لم تُنقل إلى نتنياهو حتى اندلاع "الهجوم" في الساعة 6:29 صباحًا- وحتى لو وصلت إليه، هناك شك كبير في ما إذا كان سيتّخذ خطوة حاسمة أو سينجح في تغيير الوضع".
وقال هرئيل: "إنّ بار يشدد، أيضًا، على أنّ نتنياهو لم يتّخذ أي إجراء لإقالته حتى تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما نشبت خلافات بينهما على خلفية رفضه تقديم مسوّغات قانونية تساعد نتنياهو في التهرب من الإدلاء بشهادته، بالإضافة إلى تدخل الشاباك في تحقيقين يخصان موظفين من مكتب رئيس الحكومة، خاصة في القضية القطرية".

وتابع: "بار يعبّر عن استغرابه من استبعاده من فريق التفاوض الخاص بصفقة "المختطفين" (الأسرى)، مع أنّ جهاز الشاباك المسؤول عن قناة الوساطة المصرية قد أدى دورًا مركزيًّا في التوصل إلى اتفاق يحدد المرحلة الثانية من الصفقة، في كانون الثاني/يناير الماضي، كاشفًا أنّ الإبعاد كان نتيجة لتفاقم مشاعر الكراهية الشخصية التي يكنّها نتنياهو لـــ"بار". لكنه أيضًا يعكس توجهًا سياسيًّا: نتنياهو يخشى إتمام صفقة نهائية تتطلب انسحاب الجيش "الإسرائيلي" من قطاع غزة وإنهاء الحرب من دون إسقاط حكم حماس، مقابل تحرير جميع "المختطفين". أمّا شريكه وزير المالية "الإسرائيلي" بتسلئيل سموتريتش، فقد صرّح اليوم بوضوح: "يجب قول الحقيقة: إعادة "المختطفين" ليست الهدف الأهم".

توتر داخلي في جهاز "الشاباك"

هذا؛ وأشار هرئيل إلى أنّه في جلسة الاستماع أمام المحكمة العليا، قبل أسبوعين، بخصوص التماسات ضد إقالة بار، بدا أنّ قضاة المحكمة غير راضين عن الحجج التي قدّمها ممثل نتنياهو المحامي تسيون أمير. والآن، مع الإفادات التي قدمها رئيس الشاباك في جزأيها، يبدو أنّ احتمال تحويل القضية إلى "لجنة غرونيس للتعيينات العليا" قد تعزّز. كما ذكر أنّ نتنياهو مُطالب بتقديم إفادة رد على بار، وهو أمر بالغ الإحراج بالنسبة إليه، سواء بسبب حساسية الموضوع أم لاحتمال توجيه اتهام له بتقديم إفادة كاذبة. ومع شهادة بار بشأن حديثه مع نتنياهو عن مسألة احترام "القانون"، إلّا أنّ هناك شكوكًا حول ما إذا كان نتنياهو سيجرؤ على تحدي قرار صريح من المحكمة العليا يُبقي بار في منصبه حتى استكمال عملية "قانونية" منتظمة بشأن إقالته.

وأضاف هرئيل أنّ مكتب رئيس الحكومة اتهم بار بتقديم "إفادة كاذبة"، ومع ذلك، لوحظ بطء نسبي في ردود فعل آلة الدعاية المرتبطة بنتنياهو، سواء في وسائل الإعلام أم في الشبكات الاجتماعية، ومن المرجح أن تتواصل الهجمات العنيفة ضد بار وضد الشاباك بشكل متصاعد في الأيام القريبة.

وقال هرئيل: "يسود داخل جهاز الشاباك توتر شديد، والكثير من العاملين يعتقدون بأنّ الصدام المباشر بين بار ونتنياهو يسبب ضررًا بالغًا للجهاز، ويُضعف "أمن الدولة" (الكيان)، إذ إنّه عمليًّا، نتنياهو وأعضاء حكومته يقاطعون بار وكبار مسؤولي الشاباك منذ أسابيع". ويطرح أيضًا التساؤلات عن كيفية تعيين خلف له في هذه الظروف، خاصة بعد انكشاف التفضيلات الشخصية لرئيس الحكومة، وكيف يمكن ضمان تعيين شخصية مهنية مستقلة وملتزمة بـ"أمن الدولة" (الكيان)؟

ولفت هرئيل إلى أنّ نتنياهو أوضح بالفعل، سواء في تعامله مع "ن" من "الموساد" أم مع بار، أنّه يبحث عن رؤساء أجهزة مخلصين له شخصيًّا، لا لـ"الدولة" (الكيان). وفي الخلفية، يجب أن تُراقب القضايا "الأمنية" الحساسة مثل الحرب على غزة والبرنامج النووي الإيراني بتركيز شديد.

وختم هرئيل قائلًا: "إنّه إذا كان هناك شيء واضح تمامًا من إفادة بار، فهو أن معايير رئيس الحكومة، في خضم هذه الحرب الأسوأ في تاريخ "إسرائيل"، تخلو من أدنى درجة من الموضوعية أو المسؤولية.

الكيان الصهيونيبنيامين نتنياهوالموسادالشاباك

إقرأ المزيد في: عين على العدو